كيف استغلت أمريكية ذاكرتها الخارقة للتجسس على بلادها؟
وكالة كل العرب الاخبارية بدت آنا بيلين مونتيس رزينة وهي تقف استعداداً لالتقاط صورة لها بعد فترة وجيزة من إطلاق سراحها بعد قضائها 20 عاما في السجن. الآن تبلغ آنا من العمر 66 عاما تقريبا، وقد بدأ الشيب يغزو شعرها البني. كان هناك القليل مما يوحي بأن مونتيس قد أمضت سنوات كعميلة كوبية سرية مغروسة بعمق داخل حكومة الولايات المتحدة، أو أن الولايات المتحدة كانت تعتبرها ذات يوم واحدة من أخطر عملاء المخابرات الذين يستهدفون الأمة. وهذا كما يقول الخبراء، هو بالضبط ما جعلها الجاسوسة المثالية. إبرة في كومة قشتم القبض على آنا مونتيس في 21 سبتمبر/ أيلول عام 2001، وأدينت في نهاية المطاف بالتآمر على القيام بأعمال تجسس ضد الولايات المتحدة. في ذلك الوقت، كان مسؤولو المخابرات الأمريكية يبحثون عن جاسوس كوبي داخل الحكومة لما يقرب من عقد من الزمان، لكن تبين أن محاولة اكتشاف هوية من كان يمرر معلومات سرية إلى الكوبيين مهمة صعبة. “إنها حقا كالبحث عن إبرة في كومة قش”، هذا ما قاله بيت لاب، العميل المتقاعد من مكتب التحقيقات الفيدرالي، والذي كان مع شريكه ستيف ماكوي جزءا من الفريق الذي كان له دور أساسي في إثبات أن مونتيس كانت جاسوسة كوبية. تم تكليف لاب وفريقه بالكشف عن هوية الجاسوس، لكن لحظهم العاثر ولجعل الأمور أكثر تعقيدا، قال لاب إن الكوبيين عملوا أيضا على إخفاء جنس مونتيس من خلال الإشارة إلى أن الجاسوس كان رجلا يتمتع بمكانة رفيعة المستوى، مما أدى إلى توسيع قائمة الأهداف المحتملة. وقال لاب: ” كانت المهمة ستصبح أسهل بكثير لو علمنا أننا كنا نبحث عن امرأة”. اتضح أن مكتب التحقيقات الفيدرالي لم يكن يبحث عن امرأة فحسب، بل كان يبحث عن مسؤولة كبيرة في المخابرات الأمريكية خبيرة في شؤون كوبا وأمريكا الوسطى. ملكة كوبابفضل مونتيس لعبت كوبا لعبة طويلة مع الولايات المتحدة. وقال لاب إنه تم استغلالها للتجسس لصالحهم قبل أن تنهي دراستها الجامعية، ونتيجة لذلك، انضمت إلى وكالة الاستخبارات الدفاعية الأمريكية بصفتها “عميلة مجندة بالكامل في جهاز المخابرات المعني بالملف الكوبي”. قال: “لقد قامت بعمل جيد جعلها أقرب إلى العميلة المثالية، فكل ما أنجزته كمحللة أفضى إلى بناء جدار من الأمان والحصانة حولها”. شقت آنا مونتيس طريقها وتدرجت عبر دوائر أجهزة المخابرات الأمريكية، أولا في ملف خاص بالسلفادور ونيكاراغوا، قبل أن تنتقل لتصبح عميلة استخباراتية رفيعة المستوى تدرس ملف كوبا. وقد أكسبتها خبرتها داخل الوكالات الاستخباراتية الأمريكية لقب ملكة كوبا. ولكن على مدار 17 عاما تقريبا، قامت أيضا بتمرير بعض أكثر المعلومات سرية في البلاد إلى حكومة أجنبية معادية.
قال جيم بوبكين صاحب كتاب كود نيم بلو رين Code Name Blue Wren، الذي يعد بمثابة رسم بياني لصعود مونتيس في سلم الوظيفة والقبض عليها في نهاية المطاف: “أحد الأسباب التي أعتقد أنها حالت دون اكتشاف هويتها والقبض عليها، هو أنها حفظت عن ظهر قلب الكثير من المعلومات التي وصلت إليها”.
كما أضاف: “كانت لديها وظيفتها النهارية إذ كانت تجلس بهدوء وبجدية تامة، وتحفظ قدر استطاعتها مضمون هذه المستندات السرية. وبعد ذلك كانت وظيفتها الليلية هي أن تذهب إلى المنزل، وتكتبها في كمبيوتر محمول، وتقوم بتشفيرها ونقلها إلى الشخص الذي يتعامل معها لصالح الجانب الكوبي”. لم تكن مونتيس تعمل من أجل المال، بل أخبرت المسؤولين في وقت لاحق أنها تجسست على الولايات المتحدة لأنها اختلفت مع سياسات التدخل الأمريكية في أمريكا الوسطى وكوبا. وقال بوبكين: “لقد كانت خطيرة بشكل استثنائي لأنها كشفت الهويات الحقيقية للعملاء الأمريكيين العاملين في كوبا”. يمكن لهذه المعلومات وحدها أن تعرض الأرواح للخطر، لكن مونتيس كشفت أيضا عن وجود قمر صناعي سري بمليارات الدولارات تستخدمه الولايات المتحدة للتجسس على روسيا والصين وإيران. وقال بوبكين: “لهذا السبب وصفها مسؤولو المخابرات بأنها واحدة من أكثر الجواسيس إضراراً في التاريخ الأمريكي، وأنا أزعم أنها الجاسوسة الأكثر ضررا لدينا على الإطلاق”. شبكة خداعبحلول عام 2000، اشتبه مسؤولو المخابرات الأمريكية في أن مونتيس كانت الجاسوسة المحتملة، وركز لاب وفريقه جهودهم عليها كمشتبه بها. قال لاب: “قلت بإصرار، دعونا لا نركز على الإمساك بها أثناء التجسس. دعونا نتأكد من أننا توصلنا إلى الجاسوس الحقيقي أولا”. بعد سنوات من البحث عن الجاسوس، حدث تقدم كبير في عام 2001 وتحديدا في عطلة يوم تخليد ذكرى المحاربين دفاعا عن الولايات المتحدة، عندما فتش لاب وفريقه منزل مونتيس واكتشفوا وجود معلومات سرية على إمتداد أكثر من عقد من الزمن على جهاز كمبيوتر محمول تحت سريرها. قال لاب، الذي سيشرح بالتفصيل تحقيقه في كتاب قادم بعنوان “ملكة كوبا”: “لقد قلت في نفسي يا للهول”.
بالنسبة لمونتيس فإن عيش حياة مزدوجة كجاسوسة لم يكن يعني مجرد الكذب على أعلى وكالات الاستخبارات في البلاد، بل أيضا الكذب على الأشخاص الأقرب إليها، بما في ذلك عائلتها. وقد كان أربعة من أفراد عائلتها المقربين يعملون في مكتب التحقيقات الفيدرالي بمن فيهم أختها لوسي. لكن حالهم حال بقية العالم، علموا أن مونتيس كانت جاسوسة للحكومة الكوبية يوم اعتقالها فقط. قال بوبكين الذي أمضى بعض الوقت في إجراء مقابلات مع الأسرة من أجل كتابه، إنه في وقت اعتقالها كان غضب الأسرة من خيانتها مشوبا بالارتياح. وقال: “لقد مثل الأمر مصدر بعض الراحة للوسي إذ باتت قادرة على فهم المزيد عن أختها ولماذا تدهورت علاقتهما، التي كانت في يوم من الأيام وثيقة جدا، على مر السنين”. قضت آنا مونتيس معظم عقوبتها البالغة 25 عاما في السجن وأُطلق سراحها في 6 يناير/ كانون الثاني 2023. الآن وقد خرجت من السجن وعادت إلى منزلها في بورتوريكو، قالت مونتيس إنها تأمل في أن تعيش “حياة هادئة تكتنفها الخصوصية”. لكن في غضون ساعات من إطلاق سراحها، أشارت مونتيس أيضا إلى أنها ما زالت تهتم بكوبا. وقالت في بيان تمت مشاركته مع بي بي سي نيوز من خلال محاميتها ليندا باكيل: “من سأل خلال الستين عاما الماضية الشعب الكوبي ما إذا كان يريد من الولايات المتحدة أن تفرض حظرا خانقا يجعلهم يعانون؟”. لكن بالنسبة للسيد لاب، والرجال والنساء الذين ناضلوا لسنوات من أجل تقديمها إلى العدالة، كان حصول مونتيس على حريتها مجددا بمثابة ضربة موجعة. قال: “علمت أن هذا اليوم قادم لا محالة، لكن هذا لا يعني أنه بات غير مؤلم”.
تعليقات القراء
أضف تعليق
اضافة تعليق جديد
|
أخر الأخبار
اقرأ أيضا
استفتاءات
تابعونا على الفيس بوك
|