في هذا الكتاب الذي يتضمن سرداً لوقائع التاريخ مُدعماً بالرأي والتفسير، يُقدّم تولان، المؤرخ الفرنسي الأمريكي، عرضاً جميلاً مُنصفاً لتاريخ الحضارة الإسلامية منذ نشأتها وحتى يومنا هذا، مُلقياً الضوء بشغف وإبداع على تنوّعها العميق والنقاشات الفكرية الغنية التي تطرحها، وذلك في ظلّ ندرة الدراسات والمشاريع الفكرية الغربية التي تتبع مساراً مماثلاً عبر تحديث المعلومات ومواكبة التطوّرات في العالم الإسلامي وخصوصاً في المنطقة العربية، مُستخدماً لذلك لغة تُناسب القارئ العادي والباحث الأكاديمي على حدّ سواء.
ووسّع المؤلف مجال كتابه السردي ليشمل الحضارة الإسلامية بأكملها في بادرة مميزة، أشار فيها لوجود عدّة مفاهيم غنية ومتنوّعة للإسلام كدين وأن لا أحد يستطيع أن يُلم بكلّ المعرفة في ذات الوقت، إلا أنّه حاول إبداء رأيه بأنّ الدين الإسلامي الذي تمّت ممارسته من قبل الخلفاء الأوائل، يبتعد اليوم في روحانيته وسماحته عن تيارات الإسلام السياسي كالمدرسة العُثمانية وأفكار آية الله الخميني في الثورة الإسلامية الإيرانية، مؤكداً أنّ الإسلام قبل كل شيء هو ثقافة وحضارة استطاعت أن تنتشر إيجابياً على مساحة شاسعة من مناطق العالم الغنية بالعديد من اللغات والثقافات الأخرى التي تمازجت مع بعضها.
يُذكر أنّ تولان، المُتخصص في التواصل الثقافي والديني بين العالمين العربي والغربي عبر القرون الماضية، سبق وأن أصدر في عام 2019 كتاب "وجوه محمد.. التصوّرات الغربية عن نبي الإسلام من العصور الوسطى حتى اليوم" غاص فيه بشكل مُلفت في كيفية فهم مؤسس الإسلام وفق الرؤى الأوروبية المتغيرة والمتطورة عن النبي (ص) مُنذ مئات السنين وصولاً للقرنين الـ 19 والـ 20 ولغاية العصر الراهن، مُحاولاً إبراز إعجاب الكثير من الشخصيات السياسية والفكرية في الغرب وتقديرها لشخصية دينية مهمة غيّرت مجرى التاريخ، كاشفاً بذلك عن العديد من الصور الإيجابية لنبي الإسلام في العالم الغربي.
وسبق لتولان كذلك أن شارك في قيادة برنامج طموح لمجلس البحوث الأوروبي، سعى لدراسة الطرق التي تمّ بها دمج الكتاب الإسلامي المقدس في التاريخ الفكري والديني والثقافي لأوروبا في العصور الوسطى وأوائل العصر الحديث.