وكالة كل العرب الاخبارية
مكرم الطراونة
يتوقع الزميل سلامة الدرعاوي في مقاله المنشور في عدد اليوم بعنوان “موازنة 2023 بلا مساعدات عربيّة”، بأن مشروع قانون موازنة الدولة لسنة 2023 لن يختلف كثيرا عن المعاد تقديره للسنة الحالية. بيد أنه يؤكد أيضا أن موازنة 2023 ستخلو من أي مساعدات مالية عربية مباشرة للخزينة في بند المنح.
ليس مفاجئا أن ينتهي عصر المساعدات المالية المباشرة، فهذا الأمر تعرفه الدولة جيدا، خصوصا في عصر اختلفت فيه أولويات الدول وسياساتها التي باتت أكثر ارتباطا بالمصالح والمواقف، والانغماس في مشاريع استثمارية بدلا من المنح المالية، وهو حق للدول المانحة في اتباع السياسة التي تراها مناسبة لتحقيق نتيجة أفضل لمصالحها.
أقول إن الأمر ليس مفاجئا بالنسبة للأردن، ولا أعرف إن أعد له مسبقا، عبر اتخاذ إجراءات لا تؤثر في فقدان الموازنة موردا مهما من مواردها المتعلقة بالمنح العربية، باستثناء المنحة الأميركية التي ستواصل تدفقها لسنوات قادمة بعد تجديدها خلال الفترة الماضية.
ما أريد التوقف عنده في الموازنة التي أعدها وزير المالية الدكتور محمد العسعس، هو هل أخذ بالحسبان زيادة المبالغ المرصودة لوزارات مثل الصحة، والسياحة، والتعليم، والاستثمار، والزراعة، أم أنه تمسك بالأرقام الصماء، من دون الأخذ بعين الاعتبار ما نحن بصدد التركيز عليه في المستقبل، والذي يحتاج إلى روافد مالية إضافية حتى نتمكن من جني ثمار النهوض بهذه القطاعات؟
سأذهب في الحديث في هذا المقال عن أبرز الملفات التي سمعنا عنها عشرات التصريحات الصحفية، والتأكيدات بأنها قوام مستقبل الأردن، وعلى رأسها الأمن الغذائي، الاستثمار، والسياحة. وزير المالية، الذي لم نسمع منه في الفترة الأخيرة سوى “موال” أنه لم يتم فرض أي ضريبة جديدة على المواطنين، متناسيا أن هذا واجب وليس مغناة ومنة علينا، يجب أن يدرك أن هذه القطاعات تحتاج إلى قراءة خاصة؛ رقميا واستراتيجيا.
على الوزراء القائمين على القطاعات المطلوب النهوض بها وتطورها، مواجهة وزير المالية، وخوض معركة معه من أجل تحسين الموازنة المخصصة لهم، إذا ما أرادوا تحسين مستوى العمل وضمان جودته، وتحقيق الأهداف الموضوعة لتلك القطاعات.
لا أرى من العدل أن نطالب بجذب السياح إلى الأردن بينما موازنة وزارة السياحة للعام الحالي كانت 84 مليون دينار معظمها نفقات رأسمالية (79.6 مليون) والباقي (4.5 مليون) عبارة عن نفقات جارية، وكذلك موازنة هيئة تنشيط السياحة التي لا تكاد تكفي لرواتب موظفيها، فيما نحن نطالبها بجذب مستثمرين واستثمارات والترويج للأردن، والنجاح في كل ذلك! مثلها كذلك موازنة وزارة الاستثمار التي بلغت 5.6 مليون دينار، منها 3.4 مليون نفقات جارية و2.3 مليون نفقات رأسمالية، إلى جانب تخصيص 72.4 مليون دينار لوزارة الزراعة، منها 55.5 مليون نفقات جارية، و16.7 مليون نفقات رأسمالية.
في ضوء هذه الأرقام، التي أتوقع أن يعمد وزير المالية إلى عدم زيادتها في موازنة 2023، فإننا لن نتجاوز حدود الأمنيات والتصريحات والأحلام في زيادة الدخل المتأتي من مشاريع بالغة الأهمية في رفد خزينة الدولة، وعلى رأسها كما ذكرنا السياحة، والسياحة العلاجية، والاستثمار، وتحقيق مشروع الأمن الغذائي.
على الوزراء ألا يتحملوا مسؤولية الفشل في تحقيق التقدم المنشود بهذه الملفات، إلا إذا انهزموا أمام أرقام وزير المالية ولم يتمكنوا من النضال من أجل تحقيق المزيد من المكتسبات المالية لوزاراتهم، وبالتالي للمشاريع الطموحة التي نريدها لهذا البلد. عليكم بوزير المالية الذي لا شك أن من مصلحته العمل بأسهل الطرق، وتقديم موازنة لا تختلف عن سابقتها سوى بالإطار البسيط.