قد يكون هذا الكلام مثيرا للسخرية ولكن الحقيقة أن النظام في إيران يبدع في نظرية المؤامرات الخارجية وله صيت طويل فيها، وتشير المعلومات المتداولة إلى أن حصيلة احتجاجات إيران الأخيرة قد تجاوزت 70 قتيلا مع اعتقال العشرات من المعارضين الإيرانيين وأبرزهم ابنة هاشمي رفسنجاني، في محاولة من نظام الملالي لاحتواء الوضع قبل أن يقوم معارضو النظام في الداخل والخارج برصّ الصفوف وقيادة الشارع إلى إسقاط النظام.
سجل إيران حافل بقمع الاحتجاجات، والقضاء عليها بالقوة وبالترهيب. في كل مرة تحدث فيها موجة من الاحتجاجات الشعبية تتعمد أجهزة الأمن إيقاع أكبر عدد من الضحايا بين المتظاهرين لبث الرعب في النفوس، وهو ما حصل في ما يسمى باحتجاجات معركة الرئاسة سنة 2009 حيث خلف قمع قوات الباسيج شبه العسكرية وقوع 70 قتيلا كما تم اعتقال الآلاف من المنتسبين إلى تيارات سياسية معارضة وزج بهم في السجن بعد محاكمات صورية.
استعملت إيران سياسة عزل المدن وتشتيت الاتصالات وقطع الصوت والصورة عن العالم الخارجي حتى يتم تنفيذ مخطط القضاء على الاحتجاجات في صمت وقد كانت احتجاجات 2019 هي الأعنف على الإطلاق، حيث قتل فيها أكثر من ألف شخص، واعترف فيها النظام بارتكاب مجزرة في بلدة معشور جنوب إقليم الأهواز. ولكن الرواية الرسمية نسبت المجزرة إلى قيادات أمنية وكيّفت الجريمة على أساس أفعال معزولة استعملت فيها القوة المفرطة مما أدى الى وقوع ضحايا.
قمع النظام الإيراني لا يأتي فقط ضد الاحتجاجات الشعبية ذات الطابع الاجتماعي والاقتصادي، بل يستهدف الطابع الديني والعرقي أيضا؛ لطالما مارس النظام حملة الاعتقالات العشوائية ضد البهائيين وزج بالعديد منهم وقياداتهم بتهم ثقيلة ما بين التجسس لصالح جهات أجنبية، والدعاية ضد النظام، وإنشاء والترويج لتنظيمات محظورة، وتقويض صورة الجمهورية الإسلامية في أعين المجتمع الدولي، ونشر الفساد في الأرض، وهي تهم يُعاقب عليها بالإعدام في القانون الإيراني.
أما عرب الأهواز فيتم التعامل معهم على أساس عنصري ويتم إبعادهم عن البرامج التنموية، كما يعانون من الانقطاعات المتكررة للكهرباء والماء وسط تدهور للبنية التحتية نتيجة لإهمال غالبية المناطق التابعة للإقليم من إعادة تهيئة الطرقات وبناء المدارس والمستوصفات، وقد خلفت الاحتجاجات الشعبية التي حصلت عام 2021 وسميت بثورة العطش، 8 قتلى وجرح ما لا يقل عن 120 متظاهراً.
لا يمكن تفسير النهج القمعي العنصري لنظام الملالي سوى أنه ضرورة للاستمرارية، وفرض للأمر الواقع، فهو نظام لم تنتجه شرعية الصناديق كما يحاول تسويق نفسه، بل قوة السلاح والقمع والترهيب واستعمال الدين كأداة لممارسة الحكم تحت غطاء الشريعة الإسلامية. وحتى عندما حاول هذا النظام أن يبدي تفتحا أمام الغرب بتعيين محمد خاتمي رئيسا لولايتين، ظل متشبثا بفكرة الدولة الإسلامية التي لا تقبل أي فكرة إصلاحية من شأنها أن تعيد النظر في مفهوم الدولة الإسلامية ومفهوم حكم الملالي.
وعندما نجح خاتمي بأفكاره الليبرالية في الحصول على شعبية واسعة خصوصا بين الشباب بسبب وقوفه إلى جانب الحريات السياسية والاجتماعية، أدرك المحافظون أنه لا بد أن يضعوا حدا للتيار الإصلاحي الذي كان يقوده خاتمي حتى وإن اقتضى الأمر أن تعود إيران إلى الجمود في العلاقات مع العالم الخارجي.
يبدو أن إيران قد نجحت إلى حد ما في السيطرة على الاحتجاجات الأخيرة، وها هي الآن تحاول أن تغير اهتمامات الصحف من خلال استهدافها لإقليم كردستان، أملا في إلهاء الرأي العام في الداخل والخارج بمسألة خارج حدودها. ولكن النظام مدرك تماما أن المعركة لم تنته بعد وأنه مقبل على احتجاجات أخرى قد تكون أكثر تنظيما وأكثر إصرارا على قلب نظام المرشد، بعد أن أصبح شباب إيران غير متقبلين لفكرة فرض التدين والاحتشام والتضييق على الحريات بقوة القمع.
أصبح الإيرانيون مدركين أن سياسات إيران العدائية في الشرق الأوسط لم ولن تجلب سوى المزيد من المتاعب لاقتصادهم المتدهور ولمستواهم المعيشي المتدني ولأسلوب حياتهم الذي يختلف كثيرا عن أسلوب الشعوب المجاورة، خاصة ما تعلق بالحريات. وبما أن الحرية والتنمية والعدالة الاجتماعية مطالب متلازمة لا يستطيع النظام الإيراني أن يقدمها، فإن الثورة لا بد أن تنجح يوما ما ولا بد أن تسقط الوجوه التي لم تعد تلبي رغبة الجيل الجديد في إيران.
العرب