شكلت جولة الرئيس الأمريكي جو بايدن في الشرق الأوسط، محطة رئيسية في الصراع الدولي بين الولايات المتحدة الأمريكية ومن معها، وروسيا والصين ومن معهما.

وإذا كان بايدن قد اعتبر أن زيارته تطوي خطأ في السياسة الأمريكية عندما تركت المنطقة واتجهت إلى الصين، فإن الواقع أن واشنطن لم تتخل عن المنطقة ولا في أي لحظة.

فركيزتا السياسة الأمريكية الخارجية هما: أمن إسرائيل، وتأمين مصادر الطاقة من نفط وغاز طبيعي. وقد أثبتت الحرب في أوكرانيا وما خلّفته من أزمة طاقة عالمية، الأهمية الثابتة لمنطقة الشرق الأوسط كمصدّر أكبر للطاقة في كل العالم.

ومع أن الولايات المتحدة فتحت خزانات احتياطيها للنفط والغاز الطبيعي للتخفيف من سلبيات وقف تدفق النفط والغاز من روسيا، فإن التطورات أثبتت أهمية الطاقة المستخرجة من مناطق الخليج وإيران والعراق، والمنطقة عموماً. أما الحديث عن أهمية ما تستخرجه إسرائيل لأوروبا، فهو يأتي من باب التهويل باعتبار أن هناك وقتاً طويلاً للبدء في تصديره، كما أنه لا يسد حاجة أوروبا إلا بنسبة قليلة جداً.

الشق الآخر من جولة بايدن، كان سياسياً عسكرياً، ويهدف إلى تشكيل محور من الدول التي زارها لمواجهة ما يسميه التهديدات الإيرانية. وهو إذ يهاجم إيران، فإنه دخل معها في اتفاقية نووية لا تحتاج إلا إلى إرادة أمريكية للتوقيع لينتج عن ذلك فقط تهويل لدول المنطقة من أجل شراء الأسلحة، وتشغيل مصانع السلاح الأمريكية التي لا تقتات إلا من شعار الحروب والمدّ في عمرها. انتهت جولة بايدن في المنطقة لتبدأ مباشرة بعدها القمة الثنائية بين روسيا وإيران وتركيا. ولا يمكن وضع الدول الثلاث هذه في محور واحد؛ إذ إن لتركيا حساباتها المزدوجة التي تعزف تارة على وتر حلف شمال الأطلسي، وطوراً على التلويح بالتعاون مع روسيا وإيران.

وهكذا نجد أن المنطقة والعالم قد اتجها إلى تشكيل محاور جديدة تذكّر بالحرب الباردة، مع فارق أنها حرب نصفها ساخن بدأ في أوكرانيا، في حين نصفها الآخر في الشرق الأوسط على كف عفريت ساخن.

في هذه اللحظة بالذات كان المستشار الدبلوماسي لرئيس الإمارات العربية المتحدة أنور قرقاش يخرج بصوت مختلف يعلن فيه أن بلاده لن تكون جزءاً من محور يستهدف إيران، وأن الإمارات العربية المتحدة على وشك تعيين سفير لها في طهران وإعادة بناء العلاقات معها. وأكد قرقاش أن الإمارات لا تدعم النهج التصادمي مع إيران.

وكان قرقاش قد صرّح في أبريل الماضي بأن بلاده تريد علاقات جيدة مع إيران وتركيا وكل الدول العربية؛ بل انتقد الهيمنة الغربية في العالم، وقال إنها تشهد نهاياتها الأخيرة.

في حمأة التنافس والصدامات العالمية والإقليمية، يبدو موقف الإمارات العربية المتحدة هو الموقف الحكيم العاقل. ولكنه في الواقع أكثر من ضرورة للمّ الشمل، ومنع الحروب وإحلال السلام في المنطقة. ودائماً كانت مثل هذه المهمات من نصيب الأمم المتحدة وفي صلب عملها، ومن ذلك إرسال قوات لحفظ السلام، غبر أن المنظمة الدولة تخلت عن مهامها الأصلية وتحولت في ظل الهيمنة الغربية إلى مجرد أداة لسحق الشعوب المظلومة. أما حين تستخدم روسيا حق النقض (الفيتو) للتخفيف من الهيمنة الغربية، فإن الغرب ولا سيما الولايات المتحدة، تضرب بعرض الحائط المواقف الأممية وتبادر إلى شن حروب بمفردها، كما حدث في العراق عام 2003.

إن الإمارات العربية المتحدة بموقفها هذا، إنما تقدّم في زمن المحاور والأحلاف والاستقطابات مثالاً للنموذج المطلوب أن تحتذيه كل الدول العربية في حل خلافاتها في ما بينها ومع إيران، أو غيرها، ومن أجل حماية حقوق الشعب الفلسطيني كاملة وإقامة دولته المستقلة.