تطرف الأيديولوجية "الخُمينية" التي صدرت الإرهاب والفوضى والخراب والدمار لدول المنطقة على مدى أربعين عاماً، ستتعزز قدراتها التدميرية، وستصل آثارها التخريبية لمعظم مناطق العالم، إن تحصلت على اتفاق نووي يُغلب المصالح الاقتصادية والتجارية والاستثمارية على حساب المصالح الأمنية للأمم والمجتمعات المسالمة والمستقرة.

إذا تمكنت الأيديولوجية "الخُمينية" التي تُسير وتقود سياسة وسلوك وممارسة النظام الإيراني المتطرف، بأدواتها التقليدية، من التسبب بهدم وتخريب وتدمير بعض المجتمعات الإقليمية المستقرة، كما حدث في لبنان، واليمن، والعراق، وسوريا، بالإضافة لغيرها من المجتمعات القريبة والبعيدة عنها جغرافياً، فكيف إن تحصلت على قدرات نوعية وحديثة، وأدوات تقنية وتكنولوجية غير تقليدية، بسبب الاتفاق النووي الضعيف في أصله، والمُتعجل على الانتهاء من محادثاته القائمة في فيينا، فحتماً ستكون السلبيات عظيمة جداً على جميع أطراف المجتمع الدولي.

لقد ارتكبت الدول 5 + 1 الموقعة على الاتفاق النووي أخطاءً رئيسية، بدايةً من الموافقة على الجلوس مع نظام سياسي، يُعلن صراحةً تبنيه ورعايته للإرهاب والتطرف، ثم بقبول هذه الدول الموقعة على الدخول بمحادثات سرية، لا تعلم عنها دول المنطقة المُتأثرة سلباً بإرهاب وتطرف النظام الإيراني، وانتهاءً بالتوقيع النهائي على الاتفاق الذي لم يُراعِ مصالح ومخاوف دول المنطقة وشعوبها. وتلك الأخطاء الكبيرة التي وقعت فيها الدول الموقعة على ذلك الاتفاق النووي أدت لسلبيات عظيمة، ليس فقط على المستويات الاجتماعية والشعبية التي فقدت ثقتها بالقوانين والنظم الدولية، وإنما أيضاً على المستويات السياسية والأمنية لأنها، بذلك التوقيع، قبلت ضمنياً بالنظم السياسية المتطرفة، وبالممارسات الإرهابية، وبالممارسات التخريبية، وبالسلوكيات التدميرية، وبتصدير الفوضى، وبالتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، وبتطوير القدرات التسليحية التدميرية، وبالحصول على تقنية نووية للأغراض العسكرية.

لقد كانت هذه هي الرسائل المباشرة التي تولدت عن توقيع الاتفاق النووي بين مجموعة 5+1 مع النظام الإيراني المتطرف عام 2015. فإذا كان الاتفاق النووي بهذا الضعف والسلبية التي تسببت بخيبة أمل كبيرة لدى الشعوب المسالمة والمحبة للأمن والسلم والاستقرار، فهل ستُعالج المحادثات القائمة في فيينا هذه السلبيات العظيمة؟ أم أن الاتفاق سيبقى كما تم التوقيع عليه؟ أم أنه سيكون أكثر سلبية وضعفاً عما كان عليه؟

إن الذي يمكن قراءته من المحادثات الجارية في فيينا على مدى الأشهر الماضية وحتى الآن، فبراير 2022، هو أنها ستقود لاتفاق أكثر سلبية عما كان عليه اتفاق 2015، ليس لأنه تجاهل فقط سلبيات الاتفاق السابق، وإنما لأنه صمت وتغافل عن التجاوزات التقنية والتكنولوجية والقانونية التي قربت إيران من امتلاك تقنية نووية للأغراض العسكرية.

ففي الوقت الذي كانت فيه شعوب ومجتمعات المنطقة تتنظر تصحيح للسلبيات التي تضمنها الاتفاق النووي، بالإضافة لمحاسبة إيران على تجاوزاتها التقنية والقانونية بعد توقيع الاتفاق النووي، وكذلك محاسبتها على ممارساتها وسلوكياتها الإرهابية والمتطرفة، ترى، هذه الشعوب والمجتمعات المسالمة، سعياً حثيثاً من مجموعة 5+1 للانتهاء من المحادثات من غير الاستماع لمخاوفها المشروعة والقانونية في سبيل حفظ أمنها وسلمها واستقرارها.

نعم، إن مجموعة 5+1 كما تسير مُجدداً نحو مكافأة النظام الإيراني المُتطرف على سياساته وممارساته وسلوكياته الإرهابية والتدميرية التي عمل عليها على مدى أربعين عاماً، فإن هذه المجموعة، بمحادثات فيينا، تعمل من غير إدراك للإضرار المُباشر بالأمن والسلم والاستقرار العالمي، وتسعى من غير هدي لزيادة مُعاناة الشعوب والمجتمعات المُسالمة في جميع أنحاء المجتمع الدولي.

نعم، فلو كان هناك إدراك للخطورة العظيمة التي يمثلها النظام الإيراني المتطرف على الأمن والسلم والاستقرار العالمي، ولو كان هناك معرفة بالمعاناة العظيمة التي تسبب بها إرهاب وتطرف النظام الإيراني لكثير من أبناء المجتمعات المسالمة، لما تعجلت هذه المجموعة الدولية على الانتهاء من هذه المحادثات بأي شكلٍ كان لأن خطورته ستتضاعف كثيراً، ومعاناة تلك الشعوب والمجتمعات المسالمة ستتصاعد. فإن كان الأمر كذلك، فإنه من الأولى والضروري على هذه المجموعة أن تستمع لمخاوف وقلق دول المنطقة من استمرار برنامج إيران النووي من غير قيود على أهدافه النهائية، وتتعرف فعلياً على معاناة الشعوب والمجتمعات المتضررة من إرهاب وتطرف النظام الإيراني. أما إن كانت المجموعة الدولية 5+1 ليست مدركة لخطورة النظام الإيراني المتطرف، وغير مطلعة على المعاناة التي سببها لبعض الشعوب والمجتمعات المسالمة، فإننا هنا سنكون أمام حالة غير طبيعية يُفتقد فيه العقل، ويُسلب فيها التفكير.

إن الذي يُقلق ويخيف ويزعج الشعوب والمجتمعات المُسالمة هو أن مجموعة 5+1 قدمت مصالحها الخاصة، الاقتصادية، والتجارية، والاستثمارية، والصناعية، والخدمية على حساب المصالح العليا للشعوب والمجتمعات والأمم المتطلعة للأمن والسلم والاستقرار، وهذا يعتبر خيانة عظيمة لمسؤولياتها السياسية والقانونية المكفولة لها مقابل الامتيازات العظيمة التي تتمتع بها في المجتمع الدولي. فإن كانت هذه المخاوف الشعبية والمجتمعية غير حقيقية، فإن نتائج المحادثات ستلقى التأييد والترحيب والاشادة من جميع الشعوب والمجتمعات المسالمة، أما إن كانت هذه المخاوف الشعبية والمجتمعية حقيقية برؤيتها لتغليب المصالح الخاصة على المصالح العامة للأمم، فإن نتائج المحادثات ستكون سلبية جداً على أمن وسلامة واستقرار مجتمعات تلك الدول غير المُدركة لخطورة إرهاب وتطرف النظام الإيراني.

وفي الختام من الأهمية القول إن على أطراف المجتمع الدولي، خاصة مجموعة 5+1، إدراك أن النظام الإيراني المُتطرف لم ولن يلتزم بالقوانين والأنظمة، والاتفاقيات الدولية، وإن أقسم ووقع عليها أو تعهد بالالتزام بها، وتنفيذها لأنه نظامٌ تأسس على الأيديولوجية "الخُمينية" التي تتبنى الإرهاب، وتؤمن بتصدير الفوضى والخراب لجميع المجتمعات والشعوب القريبة والبعيدة.

هذه هي طموحات وسياسات النظام الإيراني المتطرف التي ستُسبب مزيداً من زعزعة الأمن والسلم والاستقرار العالمي، بل وتدمير جميع المجتمعات، إن تم إعطاؤه ومنحه مزيداً من الامتيازات في المجالات النووية والتسليحية. فإن لم تُدرك مجموعة 5+1 تلك الحقائق التاريخية والحاضرة، فإنها سوف تعي وتدرك ذلك عندما يصلها الإرهاب والتطرف الإيراني، إلا أن إرهابها وتطرفها سوف يكون أكثر عنفاً وتدميراً بما ستتحصل عليه من امتيازات نووية، وتسليحية من الاتفاق.