الشرق الأوسط ما بعد أوكرانيا
وكالة كل العرب الاخبارية أكتب هذا المقال وقد ظهرت بعض العلامات على وجود انفراجة أو «حلحلة» في الأزمة الأوكرانية قوامها تسرب أنباء –حقيقية أو غير حقيقية– عن خفض القوات العسكرية في المناورات الروسية. وفي الغرب ذاع الحديث عن ضرورة حل الأزمة لصالح الجميع، وأكثر من ذلك تسرب من اجتماعات فيينا بصدد الاتفاق النووي مع إيران أنها على وشك الوصول إلى مرحلة التوقيع، وهو أمر جرى بجهود روسية وصينية. الحكمة هنا، إذا كان الاتفاق وشيكاً بين أميركا وإيران فلماذا لا يكون أيضاً بين واشنطن وموسكو؟ وفي خطاب مقصود، قال الرئيس بايدن إن الشعب الأميركي أخ للشعب الروسي. لم تكن روسيا في هذه الحالة هي التي تهدد أوكرانيا، وإنما شخص فلاديمير بوتين الذي سوف يجري معه التفاهم بأن تكون أوكرانيا فنلندا أخرى. لماذا فنلندا؟ هذه قصة أخرى عرضها علينا هنري كيسنجر شخصياً في مقال، وقوامها أن تكون أوكرانيا دولة مستقلة تحلّ مشكلاتها الداخلية ودون تهديد من روسيا أو حماية من حلف الأطلنطي. من ناحيتنا فقد كان التقدير دائماً أن زمن الحروب الكبرى قد ولّى وراح لأسباب موضوعية لدرجات كثيفة من الاعتماد المتبادل بين الدول والشعوب التي تجعل الحرب مستحيلة. العالم الآن يشهد بوضوح الكثير من التحديات، ولا توجد قدرة لدولة واحدة أو مجموعة من الدول مهما كانت قوتها أن تتعامل معها وحدها. التحديات كما التفاعلات ذات طبيعة كونية توجد في مقدمتها الأوبئة، وملايين يفقدون حياتهم بفعل جائحة «كورونا». ويليها أن «الاحتباس الحراري» بات حقيقة كونية مؤثرة على جميع دول العالم بغضّ النظر عن اللون أو الدين أو اللغة أو النظام السياسي. وثالثها أنه مع التحديين السابقين فإن استقرار النظام الاقتصادي العالمي بات مهدداً بشدة. ورابعها أن الإرهاب رغم ما تعرض له من هزائم جزئية لا يزال قادراً على مهاجمة الأهداف في جميع قارات العالم. وخامسها أن انتشار الأسلحة النووية بات ممكناً في ظل نظام دولي بات أقل كفاءة. وسادسها أن الفضاء الخارجي بات مفتوحاً للنزاع والتضارب كما لم يحدث في التاريخ من قبل. فيلسوف التاريخ يوفال نوح هراري كتب في «الإيكونوميست» اللندنية مؤكداً ما توصل إليه في كتب سابقة من تراجع ظاهرة الحرب (ومعها المجاعة والطاعون أو الأوبئة) مستنداً إلى حقيقة أنه لأول مرة في التاريخ الإنساني، فإن متوسط الإنفاق العالمي على القوة العسكرية هو 6.5% بينما تنفق الدول أكثر من ذلك على التعليم والعناية الصحية والرفاهية في عمومها. وهي نسب لم يمكن تخيلها في أزمنة سابقة. المعضلة في وجهة النظر هذه أنها قد تَصدق على الصراعات الكبرى المكلفة للدول وربما للإنسانية، ولكنها لا تصدق على الفاعلين الدوليين من غير الدول مثل المنظمات الإرهابية، أو في أقاليم غلبت عليها الفوضى وموجات العنف وأطماع الدول. ومثل ذلك يعود بنا فوراً إلى الشرق الأوسط الذي كان تاريخياً مسرحاً من مسارح الحروب العالمية –بما فيها الحروب الباردة- وليس قلبها الذي ظل دائماً في أوروبا؛ ولكنه الآن زاخر بعنف الإرهاب، مع التدخلات العنيفة للدول الإقليمية سواء كان ذلك بالأصالة المباشرة عن نفسها، أو عن طريق جماعات مذهبية تابعة ومنظمات وميليشيات بطريقة غير مباشرة.
*رئيس مجلس إدارة صحيفة المصري اليوم بالقاهرة، ورئيس مجلس إدارة ومدير المركز الإقليمي للدراسات الإستراتيجية بالقاهرة تعليقات القراء
أضف تعليق
اضافة تعليق جديد
|
أخر الأخبار
اقرأ أيضا
استفتاءات
تابعونا على الفيس بوك
|