مفهوم بطبيعة الحال الأسباب التي جعلت قاآني يندفع بهذا الشكل المحموم لزيارة العراق. السبب الجوهري هو الخسارة التاريخية الفادحة للقوى والجماعات العميلة لإيران في الانتخابات الأخيرة، الأمر الذي أظهر رفضا شعبيا كاسحا لهم وخلق معادلة جديدة وأوضاعا جديدة غير مواتية للمشروع الإيراني في العراق.
بداهة، لنا أن نتوقع أن هذا التطور أثار حالة من الفزع في إيران. وما فاقم هذا الفزع المواقف التي أعلنها مقتدى الصدر الذي فازت كتلته بأكبر عدد من المقاعد في البرلمان، والتي تعتبرها إيران مواقف في منتهى الخطورة بالنسبة إلى مشروعها وإلى عملائها.
الصدر أعلن منذ البداية أنه يعتزم تشكيل حكومة أغلبية وطنية وتعهد بأن تكون هذه الحكومة لا شرقية ولا غربية، وهو الأمر الذي يعني مباشرة أن الصدر يعتزم عدم تشكيل حكومة على أساس محاصصة طائفية، ويعتزم استبعاد القوى والجماعات الشيعية الخاسرة من الحكومة.
الصدر أعلن أيضا بوضوح أنه يعتزم مع الحكومة الجديدة حل كل المليشيات في البلاد، وحصر استخدام القوة بأيدي المؤسسات الأمنية للدولة، كما أعلن عزمه فتح ملفات الفساد في البلاد.
من الطبيعي أن يعتبر النظام الإيراني أن هذه التطورات في منتهى الخطورة وتشكل تهديدا لمشروعه.
على ضوء كل هذا نفهم أسباب الزيارات المحمومة لقائد فيلق القدس.
قاآني يسعى إلى القيام بمهمتين أساسيتين:
الأولى، الحفاظ على ما يسميه الإيرانيون وحدة وتماسك البيت الشيعي، أي القوى والجماعات الشيعية في العراق والحيلولة دون تفجر الصراعات في صفوفها.
طبعا كل ما يهم الإيرانيين هنا هو القوى والمليشيات الشيعية العميلة لهم، والتي تعتبر الأداة الكبرى لتنفيذ مشروعهم في العراق.
والثانية، التصدي لمواقف مقتدى الصدر والتوجهات التي عبر عنها ومحاولة قتل الإجراءات والسياسات التي قال إنه سيتبعها.
وما يهم إيران هنا هو الإبقاء على ما تتمتع به القوى العميلة من سطوة على الحكم ومن أسلحة تهدد بها الدولة والمجتمع.
كما نعلم القوى والمليشيات العميلة لإيران حاولت بكل السبل إلغاء نتائج الانتخابات الأخيرة وإبقاء البلاد في حالة شلل لكنها فشلت حتى الآن. ولم تنجح محاولات تهديد الصدر ودفعه بسبل الإكراه والتهديد والوعيد كي يتراجع عن مواقفه. وهذا ما دفع قاآني إلى تكثيف زياراته.
المهم أن قائد الحرس الثوري الإيراني يتصرف كما لو كان هو الحاكم الفعلي للعراق وهو الذي يقرر كيف تكون الحكومة والبرلمان وماذا تفعل كل القوى في العراق.. وهكذا.
وقد وصل به الأمر إلى حد تقديم عروض وصفقات عجيبة الشأن. مثال ذلك أنه في إحدى المرات، بحسب ما نشر، عرض على نوري المالكي العميل الأكبر لإيران في العراق والفاسد الأكبر أن يتم منحه ضمانات بعدم محاسبته وملاحقته وفتح ملفات فساده، وهو الأمر الذي يهدد به الصدر.
عموما قاآني هو مبعوث الطائفية والخراب في العراق. مهمته الأساسية التي يقوم بها هي إبقاء النظام الطائفي القبيح في العراق والحفاظ على هيمنة القوى الشيعية الطائفية الفاسدة وعدم المساس بها، وضمان ألا يحدث أي تغيير على الإطلاق حتى لو كان محدودا جدا يمكن أن يتحدى الوضع الطائفي أو يهز أيا من أركانه.
بعبارة أخرى مهمته هي تحدي إرادة الشعب العراقي وإبقائه أسيرا لواقع الخراب والدمار والفساد الطائفي الذي يعيشه.
من المفروض أن نسأل بأي صفة يفعل هذا ويتصرف بهذا الشكل في العراق؟. لكن السؤال عبثي، فالعراق في قبضة عملاء إيران وهم الذين جعلوا البلاد خاضعة لاحتلال إيراني فعلياً.
ومع هذا، فإن ما يحدث في العراق إجمالا بعد هزيمة القوى العميلة في الانتخابات هو خطوة في صراع الشعب العراقي الطويل من أجل التحرر والاستقلال والقضاء على المشروع الإيراني.