وكالة كل العرب الاخبارية
تضع السياسة الإسرائيلية بالأراضي الفلسطينية المحتلة، جهود إحياء عملية السلام في حرج كبير؛ فبينما تنشط الأطراف العربية والدولية الحثيثة راهناً لاستئناف المفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية، فإن الاحتلال يواصل هدم المنازل والتهويد والاستيطان في القدس المحتلة، أسوة بالضفة الغربية، مما يجعل مهمتها غير يسيرة ومجهولة المصير، بالمدى القريب على الأقل.
ويبدو أن لحكومة الاحتلال، برئاسة اليميني “نفتالي بينيت”، تقديرات أخرى لا تولي أهمية وازنة لملف العملية السياسية، بقدر ما يعنيها منع اشتعال الضفة الغربية، في ظل تصاعد أعمال المقاومة الفلسطينية، بما قد يجعلها خارج السيطرة.
إذ طبقاً لتقدير مركز أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي “INNS” لعام 2022، الذي قدمه لرئيس الكيان الإسرائيلي، يتسحاك هرتسوغ، مؤخراً، مذيلاً بتوصيات وصفها بـ”المهمة” للتعامل مع الشأن الفلسطيني خلال الفترة القادمة، فإن الأوضاع في الأراضي الفلسطينية، على “شفير الغليان”، داعياً لتنفيذ خطوات لتعزيز استقرار وقوة السلطة الفلسطينية، كجزء من استراتيجية لوقف التدهور نحو الدولة الواحدة.
وبالنسبة لخبراء المركز الإسرائيلي؛ فإن الإمساك بتلابيب المشهد بالضفة يتم عن طريق الحفاظ على الوضع الراهن في المسجد الأقصى، وعدم استفزاز مشاعر المصلين، وتعزيز مكانة الأردن كعامل أساسي لتكريس الاستقرار وضبط الأوضاع، ودراسة إقامة لجنة عربية بقيادة الأردن بهذا الخصوص.
ومن هنا فإن “بينيت” لم يلتفت لنداءات المجتمع الدولي بوقف مخطط تهجير سكان حي الشيخ جراح، والخان الأحمر، بالقدس المحتلة، ومضى في تكرار مواقفه الرافضة لإقامة الدولة الفلسطينية وللجلوس مع الفلسطينيين على طاولة التفاوض، مختزلاً علاقة حكومته بالسلطة في الجانب الأمني والاقتصادي فقط، مما جوبه بردود فعل دولية وفلسطينية منددة لسياسته المضادة لإحلال الأمن والسلام بالمنطقة.
وبالأمس؛ شهدت مدينة القدس حملة مداهمات واعتقالات واسعة أثناء اقتحام قوات الاحتلال لعدة أحياء فيها، مما أدى لاندلاع المواجهات مع الشبان الفلسطينيين، ووقوع الإصابات والاعتقالات بين صفوفهم والتي طالت أكثر من 13 فلسطينياً.
وبالنسبة لقوى فلسطينية، فإن وقف اللقاءات مع الجانب الإسرائيلي يشكل رداً صريحاً على تصريحات “بينيت” بشأن رفض حكومته إقامة الدولة الفلسطينية، أسوة بمطالبة حركة المبادرة الوطنية الفلسطينية للسلطة الفلسطينية بذلك.
وقالت المبادرة الوطنية” إن “هدف حكام الكيان الإسرائيلي تكريس الاحتلال والضم والتهويد، ونظام الابرتهايد العنصري وإجبار الجانب الفلسطيني على التعايش معه، بعدما ألقوا باتفاق أوسلو في سلة المهملات”، وفق تعبيره.
ورأت أنه “من غير المقبول استمرار الجانب الفلسطيني في الالتزام “بأوسلو” من جانب واحد، وآن الأوان منذ زمن لإدراك فشل الاتفاق ونهج المفاوضات، والمراهنة على حل وسط مع الجانب الإسرائيلي، وتطبيق قرارات المجلس المركزي بالتحلل من الاتفاقات الظالمة معه”.
ودعت المبادرة الوطنية إلى تبني نهج نضالي لمقاومة إجراءات الاحتلال وإعادة توحيد الصف الوطني حوله، والالتزام بالشراكة الديمقراطية وبناء قيادة وطنية موحدة لمواجهة الاستيطان والاحتلال و ما تقوم به الحكومة الإسرائيلية من تطبيق فعلي لصفقة القرن.
كما أكدت ضرورة إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية وللمجلس الوطني الفلسطيني فيما يمثل استعادة حق الشعب الفلسطيني في الخيار والمشاركة الديمقراطية.
وكان مركز أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي، قد بين في “التقدير الإستراتيجي”، الذي جاء بعنوان “وقت الحسم”، بأن الجبهة الفلسطينية تشكل “تحدياً كبيراً للرؤية الإسرائيلية كدولة يهودية، ديمقراطية، آمنة وأخلاقية، بسبب الانزلاق إلى واقع الدولة الواحدة”.
واعتبر أن غياب حل للصراع العربي- الإسرائيلي، وعدم الدفع بمسار سياسي يضعان كيان الاحتلال أمام “تهديد خطير على هويته كدولة يهودية وديمقراطية وعلى مكانته في المجتمع الدولي”.
وزعم التقرير أن “الوضع الأمني في الضفة الغربية على شفير الغليان، بسبب ضعف السلطة الفلسطينية، وتجمع الفصائل والشارع ضدها”، لكنه استدرك أن “الوضع لا يزال تحت السيطرة بسبب العمليات النشطة للجيش الإسرائيلي و”الشاباك” والتنسيق الأمني مع الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية”.
وعبر المركز الإسرائيلي عن مخاوفه من “ضعف السلطة صوب الوصول إلى مرحلة عدم قدرة على التصرف، بينما يزيد اليأس عند جيل الشباب الفلسطيني، داعياً لتنفيذ خطوات لتعزيز استقرار وقوة السلطة، كجزء من رؤية استراتيجية لوقف التدهور نحو الدولة الواحدة.
ونوه إلى الذهاب نحو فترة من ثلاث إلى خمس سنوات بدون اتفاقيات مكتوبة سعياً لتعزيز التعاون مع السلطة الفلسطينية، بهدف تحسين الواقع الأمني والاقتصادي والمدني وقدرة السلطة على الحكم، وإدارة محادثات متواصلة مع مسؤولي السلطة والاعتراف بها كشريك شرعي، بالإضافة إلى تعزيز قوة الأمن الفلسطيني.
وبين أهمية إقامة رصيف بحري في ميناء أسدود للسلطة الفلسطينية مع خط للقطار تجاه معبر ترقوميا وحاجز إيرز والمصادقة على تواجد عناصر جمارك فلسطينيين في ميناء أسدود ومعبر الكرامة لخدمة التجار الفلسطينيين والاستعداد للنظر في بعض بنود اتفاقية باريس، وزيادة مساعي الانفصال عن الفلسطينيين واقتصار البناء في المستوطنات على الكتل الكبيرة وتحميل 99 % من سكان الضفة للسلطة الفلسطينية.
وأكد ضرورة “إبقاء مفاتيح الأمن في الضفة بيد جيش الاحتلال والإبقاء على حرية عمله في كامل الأراضي الفلسطينية كضمانة لإحباط وتفكيك البنى التحتية للخلايا العسكرية، من خلال التعاون الأمني مع أجهزة الأمن الفلسطينية وموافقة السلطة على قاعدة أن قوة عمل الأمن الفلسطيني ضد البنى التحتية العسكرية وإحباط العمليات يعني تقليص جيش الاحتلال عملياته داخل مناطقها”.
وحول قطاع غزة، يجد الاحتلال نفسه، وفق التقرير، أمام “صراع معقد وبعيد المدى، إزاء الحاجة إلى رد عاجل للوضع الإنساني في المنطقة ومنع التصعيد الأمني، وصفقة تبادل أسرى ومنع تعزز حكم “حماس” وقوتها العسكرية”.
ورأى المركز، ضرورة بلورة تفاهمات مع حركة (حماس) في غزة، تشمل الإعمار وتخفيف الحصار مقابل الهدوء، بوساطة مصرية، لكنه قال إن هذا الخيار لا يمنع تعاظم قوة حماس العسكرية.
واعتبر أن استعادة الأسرى الإسرائيليين ليس قابلًا للتحقق في هذه الفترة، وأن الملف يراوح مكانه، “وبالتالي فعلى الجيش تحسين استعداداته لتنفيذ عملية عسكرية تهدف الى نزع سلاح حماس والعودة لوضع إدارة الصراع”.