وكالة كل العرب الاخبارية
أميرة هاس* – (تقرير واشنطن عن الشرق الأوسط) 10/11/2021
أقام مستوطنون من مستوطنة رحاليم المجاورة لقرية الساوية جنوب نابلس في الضفة الغربية المحتلة مساكن متنقلة وقطعوا عشرات الأشجار من بساتين الفلسطينيين.
- * *
خلال موسم حصاد الزيتون الفلسطيني، تنفجر ينابيع الشر والقسوة والوقاحة الإسرائيلية في أكثر صورها تركيزًا. ولا يميز منبع هذا العنف الذي يدعي الورع بين الصغير والكبير، بين الإنسان والشجرة، بين التدمير والتخريب وسرقة المحاصيل.
إنه العنف الذي يتماهى تماماً مع روح حكومته. فبعد كل شيء، تنتشر في الضفة الغربية كاميرات وأبراج ومراكز المراقبة التابعة لجيش الدفاع الإسرائيلي، ودوريات الجيش والشرطة المسلحة. وعلى الرغم من كل هذا، فإن قواتنا المدمِّرة والتخريبية التي تعيث فساداً في بساتين الزيتون تعود دائمًا إلى ديارها بأمان. من الساحات نفسها، وإلى القواعد نفسها وفي المنازل ذاتها.
في غضون أسبوعين، من 3 إلى 16 تشرين الأول (أكتوبر)، كان هناك ما لا يقل عن 18 هجوما إسرائيليا على قاطفي المحاصيل الفلسطينيين وأشجارهم. ومن الصعب سرد كل القائمة التي جمعتها منظمة “يش دين: متطوعون من أجل حقوق الإنسان”. في 3 تشرين الأول (أكتوبر)، هاجمت قوات المخربين خمس مرات: اعتدوا على أحد المزارعين، وقطعوا الأشجار، ومنعوا الحاصدين من جمع الزيتون، وسرقوا الزيتون في مناسبتين. وفي 11 تشرين الأول (أكتوبر)، تم تسجيل أربع حالات مماثلة لتخريب الأشجار وسرقة الحصاد.
وكانت كل الأحداث بالقرب من المستوطنات والبؤر الاستيطانية المعروفة بالاحتكاكات مع القرى التي تقع على الأراضي التي تتواجد فيها: “يتسهار” مرارا وتكرارا. “معون” و”بيت إيل” و”شيلو” و”أريئيل” و”حفات جلعاد” و”أفيجايل”. ومنذ بداية العام، قام أفراد مجهولون من بيننا نحن اليهود بإتلاف حوالي 8.000 شجرة مملوكة لفلسطينيين، وفقًا لأرقام الأمم المتحدة.
قل إن هذه بعض التفاحات الفاسدة؛ بعض المراهقين المضطربين؛ أو حفنة من “الأعشاب البرية”؛ من المدمنين والمتسربين. لقد سمعنا هذه اللازمة منذ أن أصبح واضحا أن هذه ظاهرة منظمة ومحسوبة -تعود وراء في الزمن إلى النصف الثاني من التسعينيات، قبل وبعد دعوة آرييل شارون إلى الاستيطان في كل تلة في الضفة الغربية. عندئذ، كما هو الحال الآن: كان قاطعو الأشجار، واللصوص، والمهاجمون المعتدون، هم رسل النظام وأبناؤه الأعزاء؛ إخوة في القضية المقدسة المتمثلة في طرد الفلسطينيين الأصليين من هذه الأرض.
ولا ينآى مجتمع المهاجمين المباشر والحاضن لهم بنفسه عنهم، ولا يوبخهم حاخاماتهم، ويلتزم قادتهم الصمت في مصادقة ضمنية على أفعالهم. ويساندهم الجنود لأن على الجيش الإسرائيلي واجب حماية المواطنين/ المستوطنين اليهود. وتقوم الشرطة بإغلاق ملفات التحقيقات (القليلة التي تُفتح في المقام الأول) بكفاءة تجعل الشرطة البيضاء العنصرية في الجنوب الأميركي في الخمسينيات من القرن الماضي تغار. ويعبر محاربو دولة تل أبيب الإلكترونيون عن اشمئزازهم. ولكن، ما معنى ذلك؟
إن هذا العنف “المخصخص” المتزايد باستمرار، والذي مضت عليه عقود، يحقق أهدافه. من أجل “منع التوترات” مع سكان البؤر الاستيطانية التي تظهر مثل الفطر السام حول المستعمرات البرجوازية، يمنع الجيش الإسرائيلي الفلسطينيين من الوصول إلى أراضيهم. وقد تم بناء المستوطنات نفسها على الأراضي الفلسطينية في إطار السطو الرسمي المنظم الذي يُطلق عليه، من أجل إرضاء آذان أعضاء محكمة العدل العليا، “إعلان أراضي الدولة”، أو “أراضي المسح”، أو الاستيلاء على الأرض وإغلاقها لتلبية الاحتياجات الأمنية والعسكرية.
بهذه الطريقة، في نسيج ذكي من القانون العسكري الذي يحتقر القانون الدولي ومن عنف هذه “الأعشاب الحكيمة”، تم جعل مساحات شاسعة من الضفة الغربية خالية من العرب -أو شبه خالية منهم: كتلة مستوطنة شيلو، كتلة عتصيون، كتلة تلمونيم، كتلة ارييل، كتلة وادي الأردن الشمالية، كتلة ميتاريم، كتلة ريحان، كتلة اللطرون، كتلة جفعات زئيف، كتلة منطقة التماس، كتلة أدوميم. والفلسطينيون الوحيدون المسموح لهم بدخول هذه المناطق هم العمال. وبكرَمه الكبير، منح الجيش بعض المزارعين حق الوصول إلى أراضيهم مرتين أو ثلاث مرات في السنة، لإزالة الأعشاب الضارة ورش المزروعات. للحرث والزرع. وللحصاد. اعثر لي على كيبوتس أو قرية إسرائيلية واحدة تقبل العمل في الأرض بضعة أيام فقط كل عام. إن هذا الحظر، المدعوم بحراب الجيش الإسرائيلي وأوامر الإدارة المدنية، هو أكثر عنفًا وفعالية من أي اعتداء جسدي.
وعلى الرغم من كل ذلك، تستخدم السلطات العنف المخصخص للـ”أعشاب الضارة” في الأماكن نفسها بالضبط التي فشل فيها العنف الرسمي في إخراج الفلسطينيين من أراضيهم. ولهذا السبب تغض السلطات الطرف عنها. وهذا هو السبب في أن اقتلاع الأشجار، ولصوص المحاصيل، ومهاجمي الرعاة والمزارعين، يظلون آمنين في خباء هوياتهم المجهولة.
*أميرة هاس: مراسلة صحيفة “هآرتس” في الأراضي المحتلة. انضمت إلى صحيفة هآرتس في العام 1989، وما تزال تشغل هذه الوظيفة منذ العام 1993.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: The West Bank’s “Rotten Apples”
ترجمة: علاء الدين أبو زينة