حين تعاد إدارة أشرطة مرسي القديمة
يلعب موضوع علاقة الإخوان المسلمين الحاكمين في مصر مع “إسرائيل” دور المحدد الرئيس في تعاقدهم وحلفهم السياسي مع الحكومة الأمريكية . وهذا الموضوع هو أيضاً الشاهد على مدى التغيير الجذري في التوجه السياسي والعقائدي لدى الإخوان بالنسبة للقضية الفلسطينية في مقابل ضمان استقرارهم على كرسي الحكم الذي تدور الآن شكوك كثيرة حول أهليتهم له ولإدارة شؤون مصر .
لقد قامت الشراكة، أو التعاقد الأمريكي الإخواني على غض النظر الأمريكي عن الخطاب السياسي السابق للإخوان، والموجه للاستهلاك الشعبي الذي يحمل لغة معاداة جذرية ل “إسرائيل”، كما قام التعاقد كذلك على المرونة الأمريكية إزاء الاستقلالية الخطابية الإخوانية الحالية في إبداء العدائية ل “إسرائيل”، وإلا لماذا تظهر اللغة الازدواجية في وسائل الإعلام الإخوانية بين إدانة “إسرائيل” ووصفها بالعنصرية، وفي الوقت نفسه إظهار الالتزام بالسلام معها، ووصف الرئيس مرسي للرئيس الصهيوني شمعون بيريز ب”الصديق العظيم”، وتمني المستقبل السعيد لدولته القائمة على تاريخ من قتل الفلسطينيين وتشريدهم؟ وليس جديداً أبداً أن يمتلك حلفاء أمريكا خطابهم المستقل بمساحة المناوأة للحليفة ول”إسرائيل” كذلك، حيث تمتلئ الساحة العربية بأمثلة على ذلك، وعلى رأس الأمثلة “قناة الجزيرة” بخطابها الحاد ضد “إسرائيل” .
فلماذا إذاً يعود الآن موضوع العلاقة الإخوانية “الإسرائيلية” إلى الواجهة في الإعلام الأمريكي، بواسطة إعادة اكتشاف وتشغيل أشرطة محتوية على خطاب إخواني سابق عن “إسرائيل” وأمريكا نفسها؟ لماذا يحدث ذلك وردود الأفعال على دعوة عصام العريان اليهود للعودة إلى مصر لم تنته بعد؟ لماذا تتصدر خطب مرسي وأحاديثه النارية ضد “إسرائيل”، وقت أن كان زعيماً إخوانياً فحسب ولم يصل للرئاسة، الميديا الأمريكية وعلى رأسها صحيفة “النيويورك تايمز” أهم صحيفة في العالم في نظر الأمريكان؟ ما الذي اختلف منذ أن كان مرسي مرشح الصحافة الأمريكية ومجلة “تايم” التي اختارته أهم رجل في الشرق الأوسط لعام ،2012 ودعت القراء للتصويت له، واضعة وجهه الذي التقط صورته مصور “إسرائيلي” معروف على غلافها؟ وهل اكتشفت الميديا الأمريكية أشرطة العام 2010 بمحتواها “اللا سامي” منذ أسابيع أو أيام فقط؟
من المعروف أن كل مقال نكتبه نحن الكتّاب العرب بما يحتويه عن “إسرائيل”، وكل خطبة سياسية أو دينية تتعرض لأمريكا أو “إسرائيل” هي محل الرصد والتسجيل والتوثيق من قبل وكالات ومؤسسات بحث إعلامي أمريكية، ومن هذه المؤسسات البحثية على سبيل المثال “معهد الشرق الأوسط لبحوث الإعلام”، الذي يرمز إليه بحروفه الأولى وهي “ميمري” . يرأس المعهد أوليفر ريفيل الذي كان قد عمل في ال”إف .بي .آي” في مجال مكافحة الإرهاب، وللمعهد فروع في القدس وبغداد (ما بعد الاحتلال)، ويعمل به سبعون فرداً . لا تترك هذه المؤسسة مقالاً أو شريطاً عربياً على اليوتيوب إلا نبّشت فيه بحثاً عن “الكراهية” العربية . وهذا إن دلّ على شيء فإنما يدل على أن أحاديث مرسي المعادية لليهود كانت مرصودة ومسجلة وموثقة، خاصة أنها تعود إلى العام ،2010 وهو عام متقدم بالطبع في العلاقة الأمريكية الإخوانية، إذ إنه عام نضوجها ودعم أوباما للإخوان علناً ضد مبارك في مصر . هل كان خطاب مرسي بعيداً عن ذلك التطور في العلاقة؟
في شريط “النيويورك تايمز” يظهر مرسي وهو يدعو إلى تربية الأبناء والأحفاد على كراهية “إسرائيل”، أما في شريط “ميمري” الذي تمّ تداوله قبل شريط “النيويورك تايمز” فقد كان مرسي يصف اليهود ب”أحفاد القردة والخنازير” وهو تعبير قرآني متداول في الخطاب الإسلامي السياسي عن اليهود .
وبما أن إلقاء الضوء على الأشرطة ليس صدفة، وإنما هي ذات علاقة بالتطورات السياسية، فإن الاحتمالات القائمة حالياً تشير إلى التالي: أولاً، المساهمة الأمريكية الفعالة في إضعاف الإخوان في مصر، وذلك بالضغط عليهم بما كانوا يستخدمونه في خطابهم الشعبي من تعبيرات “لا سامية”، وذلك بغية دفعهم إلى مزيد من المواقف الاعتذارية والتنازلية ل “إسرائيل” وأمريكا .
يحدث ذلك بعد ما أحدثته دعوة العريان لليهود من هجوم داخل مصر على الجماعة، وخاصة من الجماعات السلفية وبعض القادة الشعبيين الإسلاميين من مثل حافظ سلامة، وكذلك من القوى الشبابية والوطنية . لقد أدت تصريحات العريان إلى عزلة سياسية للإخوان، وألقت الضوء على تنازلاتهم بالنسبة للقضية الفلسطينية . وتأتي الأشرطة المذاعة في الإعلام الأمريكي لا لتصلح الشرخ في العين الشعبية العربية بالنسبة للإخوان من خلال أنهم أصبحوا محل هجوم أمريكي، وإنما لتبيان المسافة التي قطعوها ما بين مواقفهم السياسية المعلنة سابقاً، وموقفهم الحالي في حلفهم مع أمريكا، وثمنه من تغيير الموقف تجاه القضية الفلسطينية .
أما ثانياً، فإن الإخوان الذين تقلّصت شعبيتهم، بفعل أدائهم الفقير في الحكم على مستوى التنمية والاقتصاد، يراهنون على حلفهم مع القوى الإسلامية السلفية لإحراز نتائج جيدة في الانتخابات البرلمانية . لا يسر الأمريكيين هذا الحلف، خاصة أن الإخوان قد تعهدوا في محادثاتهم معهم العمل على تليين مواقف السلفيين، وجلبهم إلى ساحة الاعتدال . يرمي الضغط الأمريكي على الإخوان لمزيد من المواقف المعلنة المرضية للصهاينة وللولايات المتحدة، وشرح المواقف السابقة من خلال المتطلبات السياسية للحاضر إلى إحداث شرخ بينهم وبين السلفيين، وتجزئة الجبهة التي تجمعهم . وفي الوقت نفسه، فإن المواقف السياسية الكلامية للسلفيين تجاه “إسرائيل” وأمريكا تصبح محرّمة وقابلة للمساءلة، والضغط على الإخوان بشأنها، باعتبارهم مسؤولين عما يصدر عن حلفائهم من السلفيين .
ثالثاً، يأتي وضع مرسي في الزاوية بسبب ما جره عليه لسانه، وهو تعبير لمجلة “فوربس” الأمريكية، في وقت أحوج ما يكون فيه للدعم المالي الأمريكي، ولقرض صندوق النقد الأمريكي، وتلك أيضاً طريقة أمريكية في التعامل مع الحلفاء، وإجبارهم على التنازل حتى آخر قطرة من ماء الوجه، وآخر ما يبقى من مبادئ للاعتذار بها أمام الشعوب، ومحاسبة التاريخ حين يدور دورته المعروفة .
وفي النهاية، فإن الإخوان يثبتون بأنفسهم وبسلوكهم السياسي أن الحكم كان مصيدة ذهبوا إليها ليفقدوا ما كان لهم من رصيد شعبي وسياسي . هم أصحاب الازدواجية السياسية وتقلّب المواقف، وكانت القضية الفلسطينية في صلب هذا الازدواج الذي وصل إلى نقطته الحرجة التي سيدفع الإخوان مزيداً وكثيراً من ثمنها . تعليقات القراء
أضف تعليق
اضافة تعليق جديد
|
أخر الأخبار
اقرأ أيضا
استفتاءات
تابعونا على الفيس بوك
|