أعترف بأن الصديق الشاعر والتشكيلي محمد العامري قد فاجأني بكتابه السردي الجديد الصادر حديثاً عن دار فضاءات للنشر والموسوم ب»شجرة الليف».
وأقول فاجأني ذلك لأن العامري استطاع كسر الحاجزالمُصمّت بين اللون الكامن في لوحته التشكيلية والسرد بطريقة جعلت اللون ينطق حبراً غزيراً ووضاء.
فالكلمات تبدو في العادة مكتومة داخل اللون الذي يرسمه العامري في لوحاته التشكيلية عبر تجربته الطويلة، بحيث يترك للرائي الواقف أمام لوحته مهمة التأويل وفك طلسم اللون، لكن المسألة اختلفت تماماً هنا وبدا العامري وكأنه يتدفق بليونة مائية عفوية وهو يسترد عينه الفنية التي يرى فيها من جديد رحلة طفولته في تشكيله الفني الاول بقريته «القليعات».
وعلى الرغم من أن العامري قد حاول ان يعمل على فك الارتباط بين التشكيل واللغة عن طريق مجاميعه الشعرية التي لا تقل أهمية عن منجزه الفني بشكل عام، الا أن العلاقة بين التشكيل والشعر ظلت عصيّة على الفصل عند العامري، بينما نلاحظ أن العامري امتلك ناصية السرد وفك الارتباط مع التشكيل بقوة في سرديته «شجرة الليف».
وفي البدء يجب الاشارة الى ان منطقة الأغوار الاردنية ظلت منطقة مهملة في خريطة الابداع الاردني على الرغم من خصوصية المكان الغوري وخصوبة شخصياته وطبوغرافيته، وهذا ما ينتبه اليه العامري وهو يسترد طفولة كاملة الدسم فيبدأ بسرد المكان بعين لا تخلو من الصوفية في متابعة البيارات والقداسة التاريخية للجرح
المائي لنهر الاردن الذي يفصل بين ضفتين والتنوع الشجري المُذهل لمنطقة الاغوار، ومحاولة الدلالة على خصوصية كل نبتة وكل شجرة والاشتباك مع شخوص القرية من أب واعمام واخوال وشغب طفولي مع نبع القرية والشلال المحاذي لها وقناة الغور الشرقية وسد زقلاب واسترداد ذاكرة معركة الكرامة وهو يفعل كل ذلك بلغة عميقة مؤثرة تدلل على عين ابداعية مجهرية قادرة على انتخاب مشهدها الخاص الذي لا يخلو من المفارقات الجميلة في معظم الأحيان.
ان المنجز السردي الذي يقدمه العامري للقارىء الاردني والعربي عموماً هو قدرة فائقة على تشييد بعض العوالم وانتاجها من جديد بعد ان كاد مضارعنا القائم يهرسها ويمحيها. لكنه ألق الابداع الأدبي والفني هو وحده من يقدر على اعادة بناء الاشياء من جديد.
وهذا ما فعله الصديق المبدع محمد العامري وشكراً له على هذا الجهد المُثمر والنبيل.
عن الدستور
khaleilq@yahoo.com