المزيد
عرض كتاب: “المجتمع الزواوي في ظل العرف والثقافة الإسلامي 1749 ـ 1949″

التاريخ : 01-03-2017 |  الوقت : 02:18:34

يرصد قارئ كتاب: “المجتمع الزواوي في ظل العرف والثقافة الإسلامية 1749 ـ 1949″ الذي أعده المؤرخ الباحث محمد أرزقي فرّاد لتحصيل شهادة الدكتوراه، يرصد متى ما أحسن استثمار نباهته عدة حقائق رواسخ ومجلوات اكتفي بذكر حقيقتين اثنتين منهما:

 تتجسد الحقيقة الأولى في طول نفس الباحث وقوة صبره على التنقيب والاستقصاء اللذين مكناه من تسويد بياض ما يربو قليلا عن ثمانمائة صفحة تسويدا مليئا بفوائد علمية عظمى عن تاريخ منطقة الزواوة في الجزائر، وعلى مدار قرنين متلاحقين من الزمن. وبذلك يكون الباحث محمد أرزقي فرّاد قد أخلص لمعنى لقبه؛ فـ”الفرّاد” لغة هو صانع الفرائد أو بائعها، و”الفرائد” مفردها فريدة، أي: الجوهرة النفيسة.

في حين تبدو الحقيقة الثانية متمثلة في تحرر الباحث نفسه من قيود الكتابة التي تأخذ عند بعضهم صورة الأغلال المكبلة للمعاصم من دون أن ينقلب على ضوابط البحث العلمي أو أن يجحف في حقها إهمالا او تقصيرا أو تجردا. وقد واجه كل نقطة أثارها بالتعمق، والذهاب بها في كل الإتجاهات عرضا ومناقشة وتقليبا ونقدا إلى درجة أن أسئلة الاستزادة المعرفية تنطمس ولا تثب في عقل قارئ كتابه. ويحس القارئ وكأن يده موضوعة في يد دليل ماهر استكشف كل السبل، وراح يخترق به دروبا وعرة وصاعدة أو نازلة من دروب أرض الزواوة ذات التضاريس الصعبة، ويمضي به سائرا في أمان ملتويا مع المنعطفات، ومتعرجا على جذوع الأشجار المعمرة، وذاهبا به إلى عيون الماء الصافي، وممتعا بصره بما أنشأته الأعراف المتداولة في أرض الزواوة من تراث بهيج ثقافي واجتماعي وإنساني، وما بها من صواب يبتغيه الإسلام ويضمه إليه في عناق، أو اختلط به من نقائص أو شوائب يستدعي حالها التصويب والنفض. ولما شغفتني هذه الحقيقة الثانية، حملتها أمرها في استفسار واجهت به الصديق الدكتور محمد أرزقي فرّاد، وكان جوابه: (تلك هي عصارة قرائح النضج في طور من أطوار عمر الإنسان). وفهمت من كلماته القليلة ما يؤكد على أن التجربة في أي ميدان حياتي لا تكون تجربة مغنية إلا إذا تجمّلت برواسب الخبرة وبالثقة في النفس.

يبدي الباحث الدكتور محمد أرزقي فرّاد تغليبا وانحيازا إلى تثمين نقاط التلاقي والتعانق التي تجمع بين إرث منطقة الزواوة بالجزائر والثقافة الإسلامية، وكمثال على ذلك نستعرض رأيه فيما يخص تسمية هذه المنطقة التي خصها بهذا الكتاب. ففي الصفحة 31، وتحت عنوان فرعي هو: “انتشار تسمية القبايل”، دوّن ما يلي: (ترسخت بمر الأيام تسمية “القبايل” في أذهان الناس، ولما كان العنصر الوافد من الجبال هو الغالب في مدينة الجزائر لقرب موطنهم منها، فقد صارت هذه التسمية مصطلحا لصيقا بهم. ورغم أن أهالي الزواوة قد اعتادوا الانتساب إلى أعراشهم: (آث يراثن، آث غيري، آث جناذ، آث يعلى، آث وارثيران، آث وغليس…)، فإنهم لم يجدوا غضاضة في تبني تسمية: “القبايلي” بعد إتساع أفقهم بفضل السفر والهجرة، علما أن الشاعر سي محند أومحند، المتوفي سنة 1906م، قد وظفها في شعره.

وعلى صعيد الؤلفات، فقد وردت تسمية: “القبايل” في كتابات عديدة، منها مذكرات القنصل الأمريكي في الجزائر وليام شالر، وكتاب المرأة لحمدان بن عثمان خوجة، ورحلة الألماني هاينريش فون مالتسان الذي زار بلاد الزواوة في حدود سنة 1857. كما ذكرت الدكتورة عائشة غطاس أن السكان الوافدين من منطقة القبايل إلى مدينة الجزائر كان لهم أمين يدعى: “أمين القبايل” يتكفل بشؤونهم وتتعامل معه سلطات المدينة.

واللافت للانتباه أن الكتاب المعربين قد فضلوا تسمية:”الزواوة” الأصلية باستثناء القليل منهم، كالشيخ محمد السعيد بن زكري الذي وضع كتابا بعنوان: (أوضح الدلائل على وجوب إصلاح الزوايا ببلاد القبائل) نشر سنة 1903 عن مطبع بيير فونتانة بالجزائر العاصمة.كما وقع الأستاذ المصلح فضيل الورتلاني بعض مقالاته المنشورة في جريدة “البصائر” باسم: “الفتى القبائلي”.

واعتبارا لأصالة مصطلح “الزواوة”، واقتداءُ بكبار مؤرخينا، فقد وقع اختياري عليه في هذه الدراسة على أمل أن يكون له الأثر الطيب في النفوس، وتطمئن إليه القلوب خاصة بفضل رصيده التاريخي في ظل الحضارة العربية الإسلامية).

مثلما سبقت الإشارة، فإن الكتاب المذكور هو في الأصل أطروحة بحثية قدمت لنيل شهادة الدكتوراه في التاريخ الجزائري المعاصر. وقد قسم صاحبها مادتها إلى مقدمة ومدخل تمهيدي وستة أبواب وخاتمة. ويتضمن كل باب فصلين أو ثلاثة فصول. واحتضنت الخاتمة حوصلة البحث، ودارت كما ذكر الباحث نفسه، إلى التأسيس لرؤية وطنية مخالفة لرؤية المدرسة الكولونيالية التي لم تتوان في طرح العلاقة بين القانون العرفي في منطقة الزواوة والثقافة الإسلامية على أساس تنافري بهدف تفتيت وتشتيت المجتمع الجزائري حتى يصبح لقمة سهلة يمكن ابتلاعها. إلا أن الإسلام، كما أردف قائلا، كان يشكل في الواقع حجر الزاوية في هذه القوانين العرفية. وأما حالات التعارض بينهما فقد ظلت قليلة. ولربما سكت عنها علماء الدين في المنطقة لاعتبارات شتى، كوقوعهم تحت طائلة ضغوطات أعيان الجماعة التي أرغمتهم على اختيار مسلك تلافي الصدام والابتعاد عن التنازع.

يشار إلى أن الدكتور محمد أرزقي فراد هو وجه من وجوه النخبة الفاعلة ومن ذوي الحضور الساطع والكثيف في الركح الثقافي، وهو كاتب نشط ومؤرخ منافح عن الهوية الوطنية بلا هوادة. وقد ولد في قرية “آزفون” من ولاية تيزي وزو، ودرس في مدينة الجزائر. وقضى شطرا طويلا من مساره المهني في حقل التربية والتعليم معلما وأستاذا. وفقد والده وأخاه بعد سقوطهما شهيدين مكرمين في الثورة التحريرية من أجل استعادة عزة وسؤدد الجزائر.

ونظرا لأهمية هذا المؤلف الضخم وتفرده، فلا يجوز أن تخلو منه مكتبة خاصة أو مكتبة عمومية.

 

وكالة كل العرب الاخبارية



تعليقات القراء
لايوجد تعليقات على هذا الخبر
أضف تعليق
اضافة تعليق جديد

الحقول التي أمامها علامة * هي حقول لابد من ملأها بالبيانات المطلوبة.

:
:
:
 
أخر الأخبار
اقرأ أيضا
استفتاءات
كيف تتوقع نهاية الاحداث الجارية في قطاع غزة؟



تابعونا على الفيس بوك