المزيد
من نظرية الفوضى إلى مسرح الحروب

التاريخ : 08-02-2016 |  الوقت : 02:43:08

تنتقل المنطقة العربية، بسرعة، من حالة الفوضى والهشاشة السياسية والاستراتيجية التي سادت خلال السنوات الخمس الماضية، إلى حالة جديدة أشبه بمسرح حروب إقليمية مباشرة. ففشل فرضيات جنيف للحل السياسي في سورية، يُترجم بالسياسة المكثفة عن إعلانات متكررة بشأن خيارات الحرب الممتدة من تركيا إلى السعودية، وصولا إلى الولايات المتحدة.
ولعل أخطر ما في هذه الإعلانات السياسية التي قد يكون بعضها مجرد جس نبض للمواقف الإقليمية والدولية وردود الأفعال، هو الموقف السعودي الذاهب نحو التصعيد، والذي يعمل على الحشد لتدخل بري في سورية، وفتح جبهة جديدة في الصراعات الإقليمية. إذ يرى الكثير من المراقبين أنها مخاطرة استراتيجية كبيرة؛ فالحرب الوحيدة التي خاضتها القوات السعودية منذ تأسيس الدولة الحديثة هي الحرب المحتدمة حاليا في اليمن، والتي لم تحسم إلى هذا الوقت.
من حق السعودية أن تقود مشروعا عربيا محوريا في المنطقة، ولديها الكثير من الإمكانيات للقيام بهذه المهمة. وقد يكون تدخلها في اليمن على هذه الطريق. لكن ليس من المتوقع أن تذهب الوثبة السعودية إلى الانجرار نحو فخ ينصب لها في الأراضي السورية. فالتصعيد الجاري حاليا لن يتجاوز الدعاية السياسية وقياس ردود الأفعال، وهناك فرق بين المغامرة السياسية وبين المقامرة الاستراتيجية.
برزت نظرية مسرح الفوضى الشاملة في المرحلة الثانية من "الربيع العربي"، وفق تحليلات وتسريبات غربية تحدثت عن استهداف بلدان المشرق العربي وتحويلها إلى مسرح مفتوح للفوضى بعد تهشيم الكيانات السياسة القائمة، وبعوامل التفكك الداخلية، من خلال أعمال فوضى تقوم عليها تنظيمات وقوى محلية وإقليمية عابرة للكيانات الوطنية، فيما لا تغيب لحظة فكرة تحريك المنطقة بأكملها بحرب تمتد على مساحة الشرق القديم الذي ما يزال يتعسر بين الولادة والموت. فإذا ما نجحت نظرية الفوضى وحققت أهدافها، فإن احتمالات فتح مسرح الحرب الإقليمية تبقى واردة وبقوة.
فكرة المسرح الشامل للفوضى مرتبطة بشكل أساسي بحرب أو عمليات عسكرية عابرة للحدود الإقليمية، تمتد من إيران وتمر بالعراق ولبنان ولا تستثني السعودية والأردن وفلسطين. وقد روج لهذه الفكرة في السنة الثانية من الأزمة السورية، مع اشتداد قوة الجماعات الإسلامية المتطرفة، وتعني حالة من السيولة الاستراتيجية التي تكفل القضاء على النظام السوري وإخراجه من المعادلة، وضرب شوكة "جبهة النصرة" و"داعش" معا.
إذا كان هدف الفوضى الشاملة إيجاد مداخل جديدة للقضاء على النظام السوري؛ لماذا لم تصل القوى الكبرى إلى هذه النتيجة في لحظات كانت فيها كفة القوة على الأرض تميل لصالح المعارضة المسلحة؟ لكن اليوم يبدو أن التحولات تقود إلى إشغال القوى الإقليمية الصاعدة في ثلاث جبهات، وإنهاكها استراتيجيا.
في هذا الوقت، سيكون الهدف الحقيقي للمسرح الجديد التهيئة للدخول في المسار التاريخي الثالث لإدارة الصراع حول القضية الفلسطينية، بعد مساري كامب ديفيد ومدريد-أوسلو. ولكن المسار الجديد يرتب له وقد وصلت القضية والقائمون عليها إلى أضعف حالاتهم.
العالم يبحث عن تهدئة سياسية على مختلف الجبهات في العالم باستثناء الشرق الأوسط. عدا ذلك، ثمة رغبة مشتركة تقودها القوى الكبرى في تجنب الدخول في أحداث كبيرة أو أزمات مفاجئة، فالكل ينتظر. سياسياً، هناك حالة من توازن الضعف تسود العالم بفعل موجة العسكرة الهائلة التي لم مارستها الولايات المتحدة وحدها على مدى عقدين، بل ومارستها أيضا روسيا والصين وبعض الأطراف الأوروبية. وهناك ترقب لبرنامج العمل الأميركي الجديد لإدارة العالم، وهل ثمة فرص له.
كل الأخبار السيئة تأتي من الشرق الأوسط؛ من حروب وضربات عسكرية، مرورا باقتتال داخلي وكراهية متبادلة وأزمات واغتيالات وتفجيرات يومية. لكن الأكثر سوءا أن تجد في نهاية النهار ما يشبه التواطؤ العالمي مع ما يحدث، من دون وجود الحد الأدنى من الوضوح الأخلاقي.

وكالة كل العرب الاخبارية



تعليقات القراء
لايوجد تعليقات على هذا الخبر
أضف تعليق
اضافة تعليق جديد

الحقول التي أمامها علامة * هي حقول لابد من ملأها بالبيانات المطلوبة.

:
:
:
 
أخر الأخبار
اقرأ أيضا
استفتاءات
كيف تتوقع نهاية الاحداث الجارية في قطاع غزة؟



تابعونا على الفيس بوك