المزيد
لم يبق أحد!

التاريخ : 11-08-2015 |  الوقت : 06:01:57

ما أَن هناك مناطق منكوبة تعليميا وسياحيا، فإنّنا أمام قوى وشخصيات منكوبة سياسياً. ولا ينطبق الأمر على علاقة الدولة بجماعة الإخوان المسلمين فقط، التي أصبحت اليوم جماعتين رسمياً (وأكثر من ذلك فعلياً). فالطريف في الأمر أنّ الجميع، بمن فيهم القوى القريبة من مؤسسات الدولة التي تأسست تقليدياً لمواجهة الإخوان، يشكون من "عقوق الدولة" ومن عدم رغبتها في وجود أي قوى فاعلة حقيقية على الأرض، حتى لو كانت في خندق الحكومة أو المؤسسات الرسمية!
في السابق، تأسس التيار الوطني على قاعدة لملمة ما يسمى "الأكثرية الصامتة"، وتنظيمها لمواجهة القوة الانتخابية للإخوان. ثم في الانتخابات قبل الأخيرة، انقلبت الدولة على الحزب، وتراجعت شعبيته وقوته.
لم تتخلّ الدولة عن سياسات تهميش الجميع! فحتى في مجلس النواب الحالي، لم تصمد السياسات الرسمية في دعم ائتلاف مجموعة من الكتل النيابية التي من المفترض أنّها تشكّل أغلبية؛ إذ تفضّل مؤسسات الدولة التعامل مع الكتل بصورة منفردة، بل حتى مع النواب، كلاً على حِدَة!
لا يقتصر الأمر على القوى السياسية داخل البرلمان وخارجه؛ إذ حتى على صعيد الشخصيات السياسية، لم يبق هناك رموز حقيقيون على المسرح السياسي، سواء ممن كانوا مقرّبين من الدولة، أو من المعارضة التي تعرف قواعد اللعبة السياسية، ووجودها ضروري لتأطير المعادلات وبناء جسور التواصل بين الدولة والشارع.
السؤال الذي من المفترض أن تطرحه نتائج هذه السياسات الرسمية، سواء كانت مقصودة في أحيان أم لا، هو ما إذا كان الأفضل للدولة -بالفعل- أن تتعامل مع شارع مشتت وقوى سياسية هزيلة غير قادرة على التأثير والحركة، سواء تلك التي مع الدولة أو التي تقف ضدها؛ ومع ساحة خالية من الرموز والشخصيات الفاعلة المؤثرة، بما يجعل الدولة هي اللاعب الوحيد في الملعب؟ أم الأفضل هو أن تكون هناك قوى فاعلة تتقاسم الشارع، موزّعة على أطراف المعادلة السياسية، يميناً ويساراً، وشخصيات سياسية لها احترامها وتأثيرها على جيل الشباب الصاعد، وشخصيات اجتماعية تلعب دور الوسيط المؤثّر وقناة الاتصال غير الرسمية بين الدولة والمجتمع والشارع، تحظى كلمتها بالقبول من الطرفين؟!
ثمّة مؤسسات تفضّل الاستفراد بالساحة السياسية، بحيث حتى الحكومة نفسها أصبحت لا تملك دوراً سياسياً ولا حتى اقتصادياً كبيراً في ترسيم السياسات وصناعة القرارات؛ هي أقرب إلى مدير لأعمال الحكومة، ليس لها علاقة حقيقية بالسياسة الخارجية أو السيادية الداخلية!
قد يكون هذا التوجّه؛ "إخلاء الساحة"، يمنح بعض الهدوء السياسي، ويؤدي إلى تفريغ المشهد من أي شحنات تجاذب أو سجالات سياسية. لكنّ هذه اللعبة خطيرة ومعقدة على المدى البعيد. فالتعامل مع شارع فيه قوى منظّمة وشخصيات مؤثرة ورموز فاعلة، حيث تحكم الجميع قواعد اللعبة، يمنح الدولة قراءة عميقة ودقيقة وقدرة على التفاعل الصحيح مع الشارع والرأي العام، بدلاً من الركون إلى حالة صمّاء غير معروفة الملامح ولا التفاعلات الداخلية!
بالطبع، قانون انتخاب جديد يخرج بنا من حِجر الصوت الواحد، كفيل بإحياء ماكينة إنتاج النخب وتنشيط القوى السياسية وتحريك المياه الراكدة. لكن ذلك يحتاج، أولاً، قناعة من قبل المعنيين بأنّ السكون الحالي ليس بالضرورة علامة جيدة أو صحيّة لحالة الشارع وعلاقته بالدولة!

جريدة الغد الاردنيه

وكالة كل العرب الاخبارية



تعليقات القراء
لايوجد تعليقات على هذا الخبر
أضف تعليق
اضافة تعليق جديد

الحقول التي أمامها علامة * هي حقول لابد من ملأها بالبيانات المطلوبة.

:
:
:
 
أخر الأخبار
اقرأ أيضا
استفتاءات
كيف تتوقع نهاية الاحداث الجارية في قطاع غزة؟



تابعونا على الفيس بوك