المزيد
تركيا الى أين بعد الإنتخابات؟

التاريخ : 09-06-2015 |  الوقت : 08:56:07

 أعادت الانتخابات البرلمانية التركية الاعتبار للناخب الذي ظهر مقررا لبوصلة ووجهة البلاد، فأنهى حكم الحزب المنفرد، على الرغم من كل ما يقال بحق الرئيس رجب  طيب أردوغان الذي خسر حزبه (العدالة والتنمية) الغالبية المطلقة التي كان يسعى من خلالها لتحويل النظام من برلماني إلى رئاسي.
فصحيفة "غارديان" البريطانية نشرت في عددها أمس مقالا للكاتب كونستانز ليتش من اسطنبول حمل عنوان "الانتخابات أذلت أردوغان"، قال فيه إن أردوغان مني بأسوأ هزيمة انتخابية في أكثر من عقد من الزمان عندما خسر حزبه أغلبيته المطلقة في البرلمان، وصار الآن يبحث عن تحالف مع حزب آخر لتكوين الحكومة.
وقال الكاتب في مقاله الذي نشرت مقتطفات منه الـ"بي بي سي" يحدث هذا بينما كان أردوغان يأمل في أن يحقق حزبه انتصارا كاسحا يمكنه من تغيير الدستور حتى يتمكن من الحصول على المزيد من الحقوق السياسية كرئيس للجمهورية.
لكن النتائج الانتخابية أنهت حكم الحزب المنفرد الذي تواصل لمدة 12 عاما منذ فوزه في انتخابات العام 2000.
ويقول الكاتب إن النتائج تعكس رفض الناخبين لفكرة تغيير الدستور ومنح أردوغان سلطات أوسع في الحكم.
وكان حزب أردوغان يحتاج إلى أغلبية الثلثين أي 367 مقعدا للقيام بهذا التعديل إلا أن الحزب لم يحقق سوى نحو 259 مقعدا، وهو أقل بكثير مما كان يتوقعه بل ما لا يكفي لمجرد تشكيل حكومة بمفرده.
وعلى الرغم من أن أردوغان لم يكن مرشحا، إلا أن الانتخابات دارت حول منحه سلطات هائلة في الحكم.
ووفقا للصحيفة، أدت استراتيجية فرق تسد التي اتبعها أردوغان، لدفع حزبه المحافظ دينيا إلى الواجهة، إلى مزيد من الانقسام في تركيا بل وفي بعض الحالات إلى العنف.
ويصف المحللون نتائج الانتخابات البرلمانية التركية بالـ"نكسة" للرئيس أردوغان قبل ان تكون نكسة لحزبه "العدالة والتنمية" بعد اكثر من 13 عاما من السيطرة المطلقة على كل مؤسسات الدولة التشريعية (البرلمان)، والتنفيذية (الوزارة)، والرئاسة والقضائية الدستورية.
فبخسارة حزب العدالة والتنمية الاغلبية المطلقة واضطراره لتشكيل حكومة ائتلافية، تحطم حلم الرئيس أردوغان في تغيير نظام الحكم إلى نظام جمهوري على الطريقتين الاميركية والفرنسية، يعطيه صلاحيات تنفيذية مطلقة كرئيس للدولة.
وبات من الصعب جدا على الرئيس أردوغان أن يغير الدستور، لأن هذا التغيير يتطلب موافقة ثلثي مجلس النواب، أو الذهاب إلى استفتاء شعبي يؤيد نتائجه غالبية النواب، في حال جاء لصالح التغيير الدستوري.
تركيا تقف الآن على حافة مرحلة من عدم الاستقرار السياسي، وربما الأمني ايضا، وبات امام البلاد خيارات ثلاثة، الاول تشكيل حكومة انتقالية بين حزب العدالة والتنمية والحزب الكردي الجديد، او اي حزب آخر، او تشكيل حكومة اقلية، او الذهاب إلى الانتخابات البرلمانية مجددا الخريف المقبل، والخيار الاخير هو الاكثر ترجيحا.
النجاح الكبير الذي حققته "التجربة الأردوغانية" في ميادين السياسة والاقتصاد، ومعدلات النمو الضخمة التي تحققت في السنوات العشر الماضية، وهو نجاح زواج بين الاسلام السياسي والديمقراطية الغربية، كان موضع قلق للكثير من الدول الغربية، والدول الاقليمية ايضا، عندما بدأ الرئيس أردوغان يحاول ترجمته، اي النجاح، إلى دور سياسي اقليمي فاعل.
الفتور الغربي تجاه النموذج التركي بدأ عندما اصطدم السيد أردوغان باسرائيل، وعمل على كسر حصارها على قطاع غزة، وارسل قافلة سفن مرمرة، وبدأ الاعجاب بهذا النموذج ينكمش ويتحول إلى عداء ومؤامرات بعضها علني، والآخر خفي، وافضل من عبر عن هذا التحول الصحافي الامريكي توماس فريدمان الذي جسد هذا العداء في مقالة له في صحيفة "نيويورك تايمز" التي يكتب فيها، هاجم فها أردوغان وحزبه بشدة، وانقلب عليه مئة وثمانين درجة، بعد ان كان يتغنى بمثل هذا النموذج ويحث العالم الاسلامي على اتباعه.
المؤامرة الخارجية ليست وحدها سبب تضعضع هذا النموذج، واحداث شروخ في جدرانه، فسياسة الرئيس أردوغان الاقليمية، وتورطه بشكل مباشر في سورية، بحسن نية، او نتيجة توريطه من قبل اصدقاء له في الغرب والعالم العربي في هذا المستنقع الدموي، ساهمت بشكل كبير في تسريع انهيار حكمه وانفضاض بعض الناخبين من حوله.
محاولة تصدير "النموذج الأردوغاني" إلى دول الجوار العربي كانت خطوة محفوفة بالمخاطر، وجاءت نتائجها عكسية تماما، فقد جرى التصدي لها بشراسة من خلال انقلاب عسكري في مصر، وقوة انتخابية ناعمة في تونس (النساء لعبن دورا كبيرا إلى جانب اخطاء الحكم الإسلامي)، وأخيرا تراجع اقتصادي في تركيا نفسها (انخفضت نسبة النمو من 7 بالمئة إلى 3 بالمئة وارتفعت معدلات التضخم، وخسرت الليرة حوالي 30 بالمئة من قيمتها).
داخليا ارتكب الرئيس أردوغان العديد من الاخطاء من بينها التصرف بغطرسة، والتصادم مع حلفائه (فتح الله غولن)، وتضييق الخناق على الحريات التعبيرية مثل اغلاق وسائط التواصل الاجتماعي وفرض رقابة عليها لاحقا، وانتشار الفساد في اوساط الدائرة الضيقة المحيطة به، وتصاعد الطموحات السلطانية ونزعة الاستئثار بالحكم، واخيرا بناء قصر كبير (1150 غرفة) هربا من الصراصير، على حد تعبيره.
التوتر كان باديا على الرئيس أردوغان في الفترة الأخيرة، بعد اشتداد الخناق عليه من قبل اعدائه، وما اكثرهم، وانعكس من خلال تصريحات غير مسبوقة، وغير مسؤولة مثل قوله ان هؤلاء الاعداء من المثليين والعلويين والملحدين، وهذه سقطة كبيرة ما كان يجب ان يقدم عليها شخصا في مكانته.
ان اكبر خطر يواجه تركيا هو الفوضى السياسية على غرار ما حدث في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي، وهي فوضى استغلها الجيش للسيطرة على الحكم في انقلابات متلاحقة.
لا يخامرنا أدنى شك بأن هذه النكسة التي مني بها الرئيس أردوغان ستشكل نبأ غير سار لقطبي التحالف مع تركيا، وهما المملكة العربية السعودية وقطر، كما ايضا ستشكل صدمة بالنسبة إلى حركة "الإخوان المسلمين" التي يدعمها الرئيس أردوغان وحكومته بقوة في مواجهة نظام الرئيس عبدالفتاح السيسي، الذي أطاح بحكمها في مصر، والشيء نفسه يمكن قوله ايضا عن الحركات الاسلامية الاخرى، مثل حركة النهضة في تونس، وحماس في قطاع غزة، وحزب العدالة والتنمية في المغرب.
ولا شك ان أردوغان نفسه هو الخاسر الوحيد في هذه الانتخابات، ولا نبالغ اذا قلنا انه المسؤول الأكبر عن هذه الخسارة، ولا نستبعد ان يكون الرئيس السوري بشار الأسد والرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، قد أقاما سرادق الاحتفالات لتلقي التهاني بهذه الأنباء السارة بالنسبة اليهما.- (وكالات)وكالة كل العرب الاخبارية



تعليقات القراء
لايوجد تعليقات على هذا الخبر
أضف تعليق
اضافة تعليق جديد

الحقول التي أمامها علامة * هي حقول لابد من ملأها بالبيانات المطلوبة.

:
:
:
 
أخر الأخبار
اقرأ أيضا
استفتاءات
كيف تتوقع نهاية الاحداث الجارية في قطاع غزة؟



تابعونا على الفيس بوك