المزيد
ذكريات عن الأيام الأخيرة لجلالة الحسين

التاريخ : 19-11-2014 |  الوقت : 12:09:02

في اليوم التالي للتغيير في ولاية العهد، 25 كانون الثاني (يناير) 1999، تلقيت اتصالا من مرافق الملك العسكري، العقيد (آنذاك) حسين المجالي، وكنت يومها السفير الأردني في واشنطن، يعلمني فيه بعودة جلالة الحسين إلى "مايو كلينك". كان يتصل بي من على متن الطائرة الملكية التي انطلقت من عمان قبل بضع ساعات. وقد كانت صدمة قوية لي، ومعانيها واضحة.
رجوته أن يطمئنني بأن الأمور بخير، فأجاب أنه لا يستطيع فعل ذلك.
توجهت إلى "مايو كلينك" فورا، حيث أدخل جلالته للمستشفى ليجرى له علاج كيمياوي مع عملية زرع للنخاع الشوكي؛ في محاولة أخيرة ويائسة لإنقاذ حياته. قضيت عشرة أيام مع جلالة الملكة نور وعدد من أفراد العائلة المالكة، والطبيب الخاص لجلالته د. سمير فراج أطال الله في عمره، نبتهل لله أن ينقذ الحسين، مع معرفتنا بتضاؤل فرص نجاته. 
في الثاني من شباط (فبراير) 1999، أجرى التلفزيون الأردني مقابلة معي من "مايو كلينك"، شرحت فيها للأردنيين والأردنيات تفاصيل العلاج الذي يخضع له الملك، وتحدثت عن تعقيدات العملية الجراحية. كان قلبي مثقلا وأنا أتكلم، وقال لي كثيرون ممن شاهدوا المقابلة إن تعابير وجهي وكلامي كانا في غاية الوضوح.
لن أنسى سلسلة الأحداث التي تسارعت اعتبارا من يوم الخميس 4 شباط (فبراير) 1999. إذ كالمعتاد، دخلت جناح المستشفى باكرا، ليعلمني د. فراج أن جسد الحسين رفض النخاع الشوكي الذي جرى زرعه. كان الملك قد عبّر عن رغبته الأخيرة إذا اتضح أن شفاءه مستحيل، وهي أن تتم إعادته إلى عمان. وكان الحسين بحاجة إلى جهاز تنفس، تم تجهيزه داخل الطائرة، كما تم تخدير جلالته كي يعمل الجهاز بكفاءة.
انطلقت الطائرة قرابة الظهر من يوم الخميس ذاك. لم يكن أحد يرغب في الكلام. كنا جميعا نعلم كم تلك الرحلة حزينة؛ على المستويين الشخصي والوطني. جالت الملكة نور التي كانت تتحلى بالكثير من القوة، في الطائرة مصافحة الجميع. كان عددنا حوالي أربعين أو خمسين شخصا، الكل على رؤوسهم الطير. وقبل وقت قصير من هبوط الطائرة صباح الجمعة، سألت جلالتها إذا كان أحد يرغب في قضاء بعض اللحظات مع الحسين. اصطففنا جميعا، ودخلنا الغرفة كلا على حدة. كانت تجلس إلى جانبه وتمسك بيده، بينما أمضينا بعض لحظات لوداعه. وقد انطبع هذا المشهد في ذاكرتي ليرافقني ما حييت.
رحم الله الحسين. كان  قائدا وإنسانا قريبا من شعبه. بنى بلدا بالرغم من موارد محدودة للغاية. لكن السياسة الأردنية التي أرسيت في عهده لم تكن قائمة فقط على السياسة الواقعية؛ فالحداثة العربية-الإسلامية، والاعتدال والوسطية، التي دافع عنها الملك الحسين، كانت أيضاً وليدة اقتناع أساسي. كان يعي دائما إرثه الهاشمي، وربما كان هذا هو السبب الذي جعله يسعى إلى تحقيق أهداف تتجاوز مصلحته الشخصية الفورية. كان منفتحا على المجموعات كافة، فكسب احترام من اختلف معهم قبل من اتفق. وكان يحظى باحترام المنتمين للاتجاهات الدينية كافة؛ من سنة وشيعة ومسيحيين وغيرهم. وقبل وبعد كل شيء، كان متواضعا في تعامله مع الناس كافة. 
تعلمت منه الكثير... رحمة الله عليه.

الغد



تعليقات القراء
لايوجد تعليقات على هذا الخبر
أضف تعليق
اضافة تعليق جديد

الحقول التي أمامها علامة * هي حقول لابد من ملأها بالبيانات المطلوبة.

:
:
:
 
أخر الأخبار
اقرأ أيضا
استفتاءات
كيف تتوقع نهاية الاحداث الجارية في قطاع غزة؟



تابعونا على الفيس بوك