المزيد
"خمسينية الشتاء": مسمّيات تراثية تتطابق مع تنبؤات الأحوال الجوية الحديثة

التاريخ : 07-02-2013 |  الوقت : 07:39:38

وكالة كل العرب الاخبارية : نتهت أربعينية الشتاء، وها هي "خمسينية الشتاء" تحل ضيفا سنويا لتنشر طقوسها المتناقضة بين الدفء أحيانا والبرد القارس أحياناً أخرى. ففي هذه الخمسينية تمرّ المنطقة بما يسمى بـ"السعود" وهي "سعد الذابح، وسعد بلع، وسعد سعود، وسعد الخبايا".
كبار السن في فصل الشتاء لا يعتمدون كثيرا على ما يقال في النشرات الجوية. فهم يعتمدون على معتقدات وهي في جلها صحيحة، حول الأحوال الجوية التي قد تسود المنطقة، خلال فترة محددة.
والحاجة السبعينية، أم جميل، تُحدّث أبناءها بأن "هذه الفترة التي تبدأ بين أوّل شباط (فبراير) ولغاية منتصف نهار اليوم الثالث عشر من الشهر ذاته (أي 12.5 يوم تقريبا) ستكون بادرة، وتسقط فيها الأمطار، وأحياناً الثلوج".
وتقول أم جميل إن الناس الكبار اعتادوا هذه المسميات، منذ الأزل، وإنها تمثل الواقع بالفعل. وتضيف "أجدادنا في القدم لم يقولوا شيئاً غير منطقي، أو يتعارض مع الطبيعة". كان أهلها قديما يهيئون لكل مرحلة من مراحل الشتاء متطلباتها، بناءً على توقعاتهم بما ستحمله أربعينية أو خمسينية الشتاء.
وكغيرها من كبار السن، تتحدث أم جميل عن مراحل الخمسينية، مثل "سعد الذابح البارد القارس"، وقيل فيه "سعد الذابح ما خلى ولا كلب نابح"، أي لم يبق كلاب في الخارج من شدة البرد. ويتردد على المسامع الكثير من الروايات التي تتحدث عن سبب تلك التسميات؛ إذ يُروى أن جماعة خرجوا ذات يوم للغزو ومعهم شخص اسمه "سعد"، وهبت عاصفة ماطرة شديدة البرد فلم ينج منهم إلا شخص واحد. ولمّا رجع إلى قومه سأله والدُ سعد عن سعد فأجاب "لقد ذبح سعد ناقته واختبأ بداخلها لشدة البرد"، فابتسم الوالد لأنه تيّقن أن سعداً قد نجا. ولما عاد سعد ورآه والدُه من بعيد قال "جاء سعد الذابح".‏
ومن بعد سعد الذابح يأتي ما يسمى بـ"سعد بلع"، وقصته مرتبطة بسعد الذي اختبأ بالناقة؛ إذ بقي فيها، وبعد 12.5 يوم بدأ "يبلع"، أي بدأ يأكل من لحم الناقة التي ذبحها. ومن هنا جاء الاعتقاد بأن الأرض في "سعد بلع" تبتلع كل المطر الساقط، فلا تظهر برك على سطح الأرض.‏
وبعدها يأتي "سعد السعود" الذي يبدأ في 26 شباط (فبراير) وينتهي ظهر يوم 10 آذار (مارس)، لأن سعدا نجا فسعد، حيث يبدأ الدفء والحرارة، ولهذا يقال "في سعد السعود بدور الدم في العود"، أي يتحرك الدم في شرايين سعد، بعد أن كان مُتجمداً من البرد. والمثل صحيح، حيث تنتهي في أواخر شباط (فبراير) فترة سبات النبات الذي يبدأ في امتصاص الغذاء من التربة.
وبعد "سعد السعود" يأتي "سعد الخبايا"؛ إذ تخرج جميع الحيوانات المختبئة من البرد، كالأفاعي وغيرها، ففيه أيضاً خرج سعد من مخبئه، فسُمي "سعد الخبايا". وتمتد هذه المرحلة منذ العاشر من شباط (فبراير) ولغاية الثاني والعشرين من آذار (مارس)، وفيها قيل "سعد الخبايا تخرج فيه الحيايا (الأفاعي)"، ومن بعدها يحل فعلياً فصل الربيع في المنطقة.
ويشير اختصاصي علم الاجتماع الدكتور حسين الخزاعي، إلى أن الحياة التي كانت بالماضي، إضافة للخبرة والتجربة تؤكد بعض القصص المتوارثة عن الطقس، حيث تعتمد بطبيعتها على الخبرة بالأحوال الجوية، خصوصا وأنه لم تكن بالماضي أجهزة رصد ومتخصصون بالأحوال الجوية.
ويلفت الخزاعي إلى أن وجود مثل هذه القصص "مجموعة سعد"، ناتجة عن اهتمام الناس بالمجتمعات والموروثات التي يتم تناقلها بعد ذلك بين الأجيال، فكانوا سابقا يفرحون عندما يمر كل سعد من هذه السعود لأن معاناتهم من البرد والشتاء تخف إلى أن تصل للربيع.
ويرتبط الجانب الاجتماعي وفق الخزاعي، بالبيئة بصورة كبيرة، الأمر الذي ساعد على انتشارها في المجتمع المعتمد في طبيعته على التقليد والمحاكاة.
وتتحدث أم جميل أيضا عن سبعة أيام تمر خلال هذه الخمسينية، تعد من أكثر الأيام برودة ومطرا، ورياحا خلال الموسم المطري، وهي ما يسمى بـ"المستقرضات"، وهي الفترة التي تمتد من 25 شباط (فبراير) ولغاية الرابع من شهر آذار (مارس). "السرّ في تسمية الأيام السبعة الأخيرة من الخمسينية بـ"المستقرضات"، أن الأيام الثلاثة الأخيرة من شهر شباط (فبراير) تكون ماطرة وباردة، فيتم استقراض أربعة أيام من الشهر الموالي، آذار (مارس)، لتكتمل الأيام السبعة في هذه الخمسينية الباردة"، كما تضيف أم جميل.
وعن بعض الروايات التي سمعتها من أجدادها حول "المستقرضات"، تقول "إن شهر آذار (مارس) كان يتعجل قدوم الدفء الذي اشتاق إليه الناس، بعد أن ملوا من برودة شباط (فبراير) وتقلباته، فخاطبه قائلا له "شباط، يا ابن عمي، ثلاثة منك وأربعة مني، بنخلي دولاب العجوز يغني". والدولاب هنا هو المغزل.
وبناءً على هذه الرواية، عندما يبدأ الطقس بالتحول إلى الدفء، تخرج إحدى العجائز من البيت، وتبدأ في غزل الصوف، مستمتعة بأشعة الشمس الدافئة، والجو المعتدل. وقد جاء في بعض الروايات أن تلك العجوز بدأت تشمت من شباط وتقلباته، فسمعها شباط وغضب لهذه الإهانة، واستنجد بابن عمه آذار قائلا "آذار، يا ابن عمي، أربعة منك وثلاثة مني بنخلي العجوز تحرق دولابها والمغزلة"، أي أنها تشعل دولابها الخشبي لشدة البرد. فاستجاب له آذار فلم تجد العجوز بدا من أن تجلب كل ما لديها من حطب، ليحترق في مدفأتها.
وفي روايةٍ أخرى، يقال إن سبب تسمية هذه الأيام بـ"أيام العجائز" أن امرأة عجوزا من العرب كانت تمتلك حاسة الاستشعار عن بعد، فأخبرت قومها ببوادر قدوم أيام باردة وماطرة، ستتلف الزرع، فلم يصدقوها. لكنهم ما لبثوا أن تفاجأوا بقدوم تلك الأيام، فوقع ما أنبأتهم به تلك العجوز، فأطلقوا على تلك الأيام "أيام العجائز".
ففي شهر شباط (فبراير) الحالي، مثلا، تذكر الناس ورددوا الكثير من الأمثال، ومنها "شباط الخباط لن شبط ولن خبط ريحة الصيف فيه. شباط ما عليه رباط. شمس شباط بتخلي الراس زي المخباط. شباط جر العنزة بالرباط، شباط عدو العجايز".
وفي السياق ذاته، يؤكد مدير عام دائرة الأرصاد الجوية، محمد سماوي، أن كل هذه الأمثلة والمقولات الشعبية "المناخية" نتجت عن مشاهدات وتجارب عديدة، علما بأن الموروث الشعبي يتناول مجالات الحياة كافة. وقد كان للمناخ، وتعاقب الفصول والمواسم، نصيب وافر في هذا الموروث الغني بتجارب الأجداد وخبراتهم.
ويوضح سماوي أن الروزنامة المناخية الأردنية تعتمد في كثير من الأحيان، على ذاكرة الشيوخ والمسنين، كونهم عايشوا الفصول، وظواهرها، من شتاء ورياح ومطر وثلوج، وأيام المربعانية والخمسينية، والتشاريق، حيث تراكمت لديهم معلومات ومعطيات قائمة على تجارب متكررة، نشأت عنها أمثال ومقولات مأثورة، يأخذها الناس عن الآباء والأجداد، وصولاً إلى الأبناء والأحفاد. ولا غرو أن يلجأ إليها اختصاصيو الأرصاد الجوية أحيانا، لمقارنتها بالمعطيات العلمية، والاستفادة من دقتها في إثراء المعطيات العلمية.
ففي علم الأرصاد الحديث، تتم دراسة أوقات هذه المشاهدات، وما ذكر في شأنها من أمثال، ومطابقتها مع بيانات الطقس والمناخ التي يتم رصدها ومراقبتها بأجهزة حديثة. وفي هذا الصدد، يقول سماوي "يقترب التحليل الإحصائي من الحقائق المناخية التي تتحدث عنها تجارب الناس، ومن أمثالهم الشعبية، فتتطابق كثير من المواسم مع الحقيقة التي تثبتها هذه الأمثال العريقة".
وتجدر الإشارة إلى أن علم المناخ والأرصاد الجوية هو علم حديث، لا يزيد عمره على 150 عاما. ولكن مشاهدات وملاحظات الأجداد للطقس والمناخ يعود تاريخها لثلاثة آلاف عام قبل الميلاد، حيث عثر على الكثير من المخطوطات الصينية والمصرية القديمة التي تبيّن اهتمام هذه الشعوب العريقة بالطقس والمناخ. ويؤكد سماوي أن دائرة الأرصاد الجوية "تعتمد التوقيت الشمسي في تحديد الفصول، كما أن هذا التقويم معتمد لدى المهتمين كافة، والعاملين في مجال الأرصاد والمناخ". وأحيانا تتم الاستعانة بهذه الأمثلة الشعبية "من باب المقارنة فقط، لتوضيح ظاهرة مناخية معينة ناتجة عن تطورات الطقس".



تعليقات القراء
لايوجد تعليقات على هذا الخبر
أضف تعليق
اضافة تعليق جديد

الحقول التي أمامها علامة * هي حقول لابد من ملأها بالبيانات المطلوبة.

:
:
:
 
أخر الأخبار
اقرأ أيضا
استفتاءات
كيف تتوقع نهاية الاحداث الجارية في قطاع غزة؟



تابعونا على الفيس بوك