المزيد
مُعالجات تحفيزيّة للدين الداخليّ

التاريخ : 21-09-2019 |  الوقت : 11:49:30

وكالة كل العرب الاخبارية

لاشك أن الدين الداخليّ البالغ أكثر من ١٥.٢ مليار دينار يُشكّل احد التحدّيات الرئيسيّة أمام السياسة الماليّة، فهو لوحده يُشكّل ما يقارب ال٥٢ بالمئة من إجمالّ الدين، وأقل بقليل من الناتج المحليّ الإجماليّ.

الدين الداخليّ في حال استمرار نُمُوّه هو انه يولّد ضغوطاً كبيرة على القطاعات الاقتصاديّة المُختلفة التي تحتاج إلى تلك السيولة لدعم أنشطتها وأعمالها المختلفة، فالخزينة بواسطة الدين الداخليّ تسحب الكثير من تلك السيولة المصرفيّة إلى خزينتها، إضافة إلى أن البنوك تبدأ بالعزوف التدريجيّ عن اقراض القطاع الخاص نتيجة وجود زبون أقل خطورة منه وبفائدة عالية وهي الحكومة عن طريق السندات.

إضافة إلى ذلك تُشكّل مديونية القطاعات المختلفة على الحكومة عبئاً ثقيلاً على تلك القطاعات والشركات في استكمال خططها ومشاريعها التوسعيّة، لا بل أن بعضها يتأثر سلباً بنمو هذه المديونيّة إلى مستويات مُقلقة جداً على الصعيد الماليّ لتلك القطاعات والشركات، والكُلّ يعلم بمديونيّة شركات المقاولات والأدوية وشركة مصفاة البترول الأردنيّة والتي تتجاوز في مجموعها ما يقارب المليار دولار ، (١٣٠ ، ١٤٠، ٥٠٠) مليون دينار على القطاعات السابقة بالتوالي، وهذه مديونيّة متراكمة منذ سنوات عديدة أدت إلى ضغوطات ماليّة على الشركات السابقة التي اضطرت للاستدانة من البنوك بفوائد عالية لتغطية احتياجاتها التمويليّة في حين الحكومة تؤجل عمليات السداد لحين توفير مخصصات لهم وهو أمر طال انتظاره.

بقاء هذه المديونيّة دون علاج جذري أدى إلى أضعاف الوضع الماليّ لتلك الشركات، في حين أن بعضها لم يستطع أن يتواصل مع البنوك نتيجة المديونيّة المتعثرة في سجلاته والتي لا يوجد فيها بريق أمل لسدادها. وبالتالي مساعدة تلك الشركات في الحصول على التمويل الذي تحتاجه لأنشطتها بميزانيات سليمة ووضع ماليّ رشيق يساعدها على الحصول على الاقتراض المطلوب بفوائد مناسبة في ظل وضع ماليّ معالج لديها.

مثال حي على ذلك مديونية شركة مصفاة البترول الأردنيّة التي تتجاوز النصف مليار دينار والعالقة منذ سنوات طويلة، وهي مسجّل في ميزانية الشركة بأنها ديون لها مستحقة على الجهات الرسميّة، ويتكرر رصدها سنويّاً دون علاج حقيقيّ، وهذه المديونيّة المتراكمة احد أبرز الأسباب الرئيسيّة التي اخرت مشروع التوسعة الرابع للشركة، فالوضاع الماليّ للشركة في ظل هذه المديونيّة العالقة على الحكومة لن يمكّنها من الحصول على التمويل اللازم للمشروع الذي تُقدّر كلفته الإجماليّة بحوالي ١.٦ مليار دينار، فالمفاوضات مع المؤسسات الماليّة الكبرى يتطلب وضعاً ماليّاً مميزاً نظيفاً لدى شركة مصفاة البترول، والآخر لا يختلف كثيراً بالنسبة لمشاريع وأنشطة شركات الأدوية والمقاولات.

اليوم بدأت الحكومة تدرك أن بقاء ملف مديونيّة هذه الشركات عالقاً دون حلّ يؤثر عليها سلباً على أنشطتها الاستراتيجيّة وخططها المستقبلية، وهنا بدأ التحرك الإيجابيّ في مواجهة هذا الملف اقتصاديّاً ويُشكّل حافزاً لأنشطة تلك الشركات من خلال عملية مصرفيّة بحتة تسمح للشركات الدائنة للحكومة باقتراض مبالغ المديونيّة من بنوك متعددة بواسطة قرض تجمع بنكيّ ومن ثم تحويل اقساط وفوائد هذه القروض على الحكومة بحيث تقوم هي بسداده مباشرة من الخزينة، وهذا ما تم الشروع به مؤخرا من خلال التفاهمات التي ابرمتها شركة مصفاة البترول الأردنيّة مع مجموعة من البنوك للحصول على قرض بقيمة ٤٥٧ مليون دينار بعد أن وافق مجلس الوزراء على تحويل اقساط وفوائد هذا القرض لحساب وزارة الماليّة لتسديده حسب الأصول.

هذا التوجّه يعني تنظيف سجلات ميزانية شركة مصفاة البترول الأردنيّة من مديونيّة كبيرة عالقة منذ سنوات، مما يقوي مركزتها الماليّ ويرفع من تصنيفها الائتمانيّ ويساعدها بالحصول على التمويل اللازم بأسعار فائدة معتدلة ومناسبة للمشروع الاستراتيجيّ وهو التوسعة الرابعة.

حكوميّاّ لم تتأثر الخزينة بشيء جديد من ناحية المديونيّة، فهي مديونيّة مسجّلة أصلاً على الحكومة، أي أن دين عليها في سجلاتها، وكُلّ ما في الأمر انها ستجعل الشركات تتفاوض للحصول على فوائد مخفضّة وتقوم هي بسدادها، ولو أنها قامت هي بالتفاوض لحصلت على فوائد مرتفعة، فلن يزيد الدين الإجماليّ بهذه العمليّة لانه مرصود في اجماليّ الدين ومخصص في الموازنة.

هذا التوجّه إيجابيّ للغاية على المدى المتوسط في معالجة هيكل المديونيَة الداخليّة، لكن يبقى التحديّ الأكبر في اعادة هيكلته بكامله ضمن خطة وطنيّة شاملة لمعالجة المديونيّة وتخفيضها لمستويات آمنة من الناتج المحليّ الإجماليّ.



تعليقات القراء
لايوجد تعليقات على هذا الخبر
أضف تعليق
اضافة تعليق جديد

الحقول التي أمامها علامة * هي حقول لابد من ملأها بالبيانات المطلوبة.

:
:
:
 
أخر الأخبار
اقرأ أيضا
استفتاءات
كيف تتوقع نهاية الاحداث الجارية في قطاع غزة؟



تابعونا على الفيس بوك