المزيد
أولويّات اقتصاديّة مُتعاكسة

التاريخ : 18-04-2019 |  الوقت : 12:34:05

وكالة كل العرب الاخبارية - بقلم سلامة الدرعاوي - لا يحسد صانع القرار الاقتصاديّ الرسميّ على الوضع العام الذي هو فيه، فالتحدّيات كبيرة والحلول أشبه بعمليّة مُعقدة مُتضاربة لا يمكن الوصول إلى نتائج نهائيّة تُرضي جميع الأطراف، دون أن يلحق أيّ أذى بالخزينة وإيراداتها.

فغالبية القرارات الاقتصاديّة الحكوميّة المُتعلقة بالوضع الماليّ غير شعبيّة على الإطلاق من جهة، وحتميّة فاعليتها ونجاحها اقتصاديّا من جهة أخرى.

فالحكومة التي فتحت باب استيراد السيارات الهجينة والكهربائيّة لتخفيف التلوث من جهة، وتخفيف الأعباء على المواطن من جهة أخرى، وجدت نفسها أي الحكومة في وضع ماليّ صعب العام الماضي نتيجة استيراد مكثّف للسيارات الهجينة والكهربائيّة ذات الجمرك الأقل من سيارات البنزين، وكانت خسائر الخزينة أكثر من ٧٠ مليون دينار، الأمر الذي دفع الحكومة إلى إعادة النظر بالرسوم الجمركيّة على تلك السيارات ومن ثم اتخاذ القرار برفع الرسوم الجمركيّة عليها ضمن فترة زمنيّة مُدتها خمس سنوات، لِتعويض الخزينة عن ترجع إيراداتها على السيارات.

القرار الأخير بزيادة الجمارك ليس في مصلحة المواطن، والقرار الأول بتخفيض الجمارك ليس بمصلحة الخزينة، وهو ما جعل صانع القرار في حيرة حسمها في نهاية الأمر لصالح الخزينة، لكن التحديّ يكّمن أيضا في أن رفع الرسوم الجمركيّة على السيارات الهجينة والكهربائيّة أدى إلى ركود كبير في القطاع سيكون له انعكاسات سلبيّة على إجمالي إيرادات القطاع المُحصلة للموازنة في الفترات المقبلة.

سياسة تشجيع استخدام الطاقة المتجددة، فيه مصلحة اقتصاديّة كبيرة لصالح المواطنين والقطاعات الاقتصاديّة المُختلفة التي يعاني الجميع من ارتفاع كُلّفة فاتورة الطاقة بشكل كبير.

لكن بالمقابل إيرادات الحكومة من بند التعرفة الكهربائيّة بدأت هي الأخرى في التراجع نتيجة انخفاض عدد المستهلكين خاصة من الشرائح ذات الاستهلاك العاليّ، وبالتالي وجدت الحكومة نفسها في موقف مُريب تحتار أين تتجه، اما في سياسة الانفتاح على الطاقة المتجددة رغم أنها وَقّعت اتفاقيات مع مستثمرين لشراء الكهرباء منهم بكلّف عالية ولمدة تصل إلى ٢٥ عاما، أم أنها ستجمّد السير بهذا المشروع، فعلا من الناحية الماليّة هو امر مُحير لصانع القرار الذي يرغب أن تكون هناك سياسة تحمي وتدعم المواطن وتحافظ على إيرادات الخزينة معاً، وهذا أمر مُستحيل في ظل المعطيات الاقتصاديّة الراهنة أن تتحقق مع كُلّ أسف.

خيار اللجوء إلى القروض الخارجيّة ذات الفائدة المُنخفضة لإحلالها بدلاً عن  الديون الداخليّة ذات الفائدة المُرتفعة أمر في غاية الأهمية الاقتصاديّة كخطوة أولى نحو تخفيض نسبة الدين العام كنسبة من الناتج المحليّ الإجماليّ، لكن في النهاية تأخر وصول المنح من قبل الدول الصديقة في أوقاتها المحددة، واستلامها نهاية كُلّ عام، يعني أن الحكومة ستكون مُضطرة إلى سداد جزء من التزاماتها الشهريّة عن طريق الاستدانة الداخليّة بواسطة طرح السندات ذات الفائدة العاليّة، الأمر الذي يؤثر على جهود الحكومة في تخفيض كُلّف الدين وخدمته نتيجة تأخر الحصول على منح دعم، فماذا بيد الحكومة أن تعمل في هذا المجال الصعب؟.

الحالات السابقة هي جزء بسيط من مجموعة كبيرة من السياسات الاقتصاديّة والماليّة التي تتناقض فيها مصالح الخزينة وعائداتها مع مصالح المواطنين والقطاعات الاقتصاديّة، وهذا أمر يصعب اتخاذ القرار الاقتصاديّ السليم، فالاقتصاد يُعاني اليوم من أزمة إيرادات حقيقيّة في ظل تنامي النفقات التشغيليّة، الأمر الذي لا يترك للحكومة مجالا للمناورة أو حتى أبداء المرونة تجاه تنفيذ بعض السياسات أو الإجراءات أو حتى تأجيلها، فالتفكير اليوم محصور في أولويّة ضمان دفع الراتب ومستحقات الدين في مواعيدها دون تأخر، وباقي الأمر رغم جسامته وخطورته على مستوى الاقتصاد الكُلّي في المديين المتوسط والبعيد إلا ان المساعدات الخارجيّة التي تتلقاها الخزينة مع نهاية كُلّ عام تغطي فجوات تنامي العجز الماليّ في الخزينة، الأمر الذي يعطي اعتمادا متزايدا للحكومات على تلك المنح، وبالتالي يبقى الاستقرار المؤقت للموازنة هو أولويّة حكوميّة حتى ولو كان على حساب النُمُوّ والتحفيز وتحسين الأمن المعيشيّ للمواطنين، وتاريخيا هناك فجوة حقيقيّة بين أولويّات السياسة الاقتصاديّة الرسميّة والخاصة، لدرجة أنك تشعر انهما في بعض الأحيان مُتعاكستين متضاربتين كُلّ واحدة تسير في اتجاه غير معروف النتائج على الأقل من الناحية الاقتصاديّة.



تعليقات القراء
لايوجد تعليقات على هذا الخبر
أضف تعليق
اضافة تعليق جديد

الحقول التي أمامها علامة * هي حقول لابد من ملأها بالبيانات المطلوبة.

:
:
:
 
أخر الأخبار
اقرأ أيضا
استفتاءات
كيف تتوقع نهاية الاحداث الجارية في قطاع غزة؟



تابعونا على الفيس بوك