ترجمة: ينال أبو زينة
عمان- عادة ما يكون الاقتصاديون كتلة قاتمة جدا، ومن خلال صياغة ونستون تشرتشل، فبإمكانك القول أن لديهم الكثير ليكونوا قاتمين نحوه، وليس العام الذي بدأ لتوه استثناء، فهناك مخاطر جيوسياسية حقيقية يمكن أن تعكر مزاج الاقتصاد العالمي.
وغالبا ما تكون هناك قيم ومثل تغزو الأعوام على الدوام، ولكني أقترح أن نضعها جانبا بناء على الأسس العلمية التي تقول أولا أنها قد لا تتجسد واقعا، وثانيا أنها لو تجسدت فعليا سوف تكون آثارها صغيرة، وثالثا أن تكون ضخمة جدا وصعبة إلى درجة مواجهة المشاكل في تقييمها.
ولذلك سأركز على الاقتصادات البحتة. وأنا أعتقد، من هنا، أن الاقتصاد العالمي يعود إلى التعافي بشكل كامل في الوقت الراهن، ولعل هذا أوضح ما يكون في الولايات المتحدة. ولكن، حتى مع ذلك، يقول النقاد أن الطفرة الأميركية قديمة جدا بالفعل، وبالتالي قد يكون الإنكماش على الأبواب. وعلى الرغم من ذلك، لا تموت عادة توسعات الولايات المتحدة من الشيخوخة. بل، بدلا من ذلك، تموت على يد الاحتياطي الفدرالي.
وعلى هذا الأساس، فأنا أعتقد أن تخفيضات ترامب للضرائب ترمي إلى تخفيف مالي من قرابة 0.8 % من الناتج المحلي الإجمالي، في الوقت الذي ينمو فيه الاقتصاد بوتيرة لائقة.
وصحيح أن الزيادة في الطلب الكلي لن تكون مرتفعة مثل نسبة الـ0,8 % بوصفها جزءا كبيرا من الزيادة في الدخل القابل للتصرف الذي سيتم إدخاره بدلا من إنفاقه، وتسرب بعض النفقات الإضافية إلى الواردات. فمع ذلك، سوف تكون نسبة النمو في الولايات المتحدة عند حوالي 2.5 % هذا العام، أي أسرع بنسبة 0.3 % من العام الماضي.
وفي منطقة اليورو، يغلب الظن أننا سنشاهد نموا لائقا مستمرا أيضا، حتى مع تراجع الاقتصادات الأضعف على يد الأنشطة الأقوى في الأجزاء الأساسية، الأمر الذي سيساعد في تخفيف البطالة وزيادة الدخول الحقيقية للمستهلكين.
ومن المسلم به أيضا أن الصين ربما تتباطأ إلى نمو أساسي من قرابة 4.5 %، في حين ينبغي لليابان أن تواصل بشكل جيد من خلال معاييرها الأخيرة، مع تجاوز معدل النمو لديها نسبة الـ 1 % بقليل.
وما يزال توافق الآراء يتوقع أن يكون نمو بريطانيا أبطأ من العام الراحل، لكنني أعتقد أن الناس على وشك التعرض لصدمة، بحيث سوف تعطي الخلفية العالمية القوية لمصدري بريطانيا دفعة كبيرة مع توسع جميع أسواقنا الرئيسية، بما فيها منطقة اليورو، بشكل عظيم. وعلاوة على ذلك، فمن شأن الجنيه الاسترليني المنافس أن يضمن لبريطانيا حصصا أكبر من الأسواق الحالية. وأنا أتوقع نمو صادرات للسلع الأساسية بنسبة تتراوح ما بين الـ10 % والـ15 %.
وفي الوقت نفسه، ينبغي لمعدلات التضخم أن تتراجع عن مستوياتها الحالية عند 3 % إلى ما يقرب هدف الـ2 % نوعا ما في نهاية العام.
وأتوقع أيضا لمتوسط نمو الإيرادات أن يأخذ بالارتفاع متجاوزا التضخم في النصف الثاني من العام الحالي، متيحا بذلك للدخول الحقيقية أن ترتفع مرة أخرى. ومن شأن مزيج المستهلكين المتعافين من ضيق الدخول ونمو صافي التصدير القوي أن تقود نمو الناتج المحلي الإجمالي هذا العام إلى معدل 2 و2،5 % هذا العام. وإذا ما كنت صائبا، سوف يدنو الاقتراض الحكومي بشكل جيد توقعات الاستعراض الدوري الخاص.
وفي جميع انحاء العالم، سوف تشكل هذه السنة تحديات خطيرة للمصارف المركزية. وقد كان يخشى على نطاق واسع أن التضخم، على عكس ببغاء مونتي بيثون، لم يكن ميتا وإنما هو نائم. وبما أن العالم يتمتع بتوسع منسق، فانني أتوقع أن تكون هناك علامات على ارتفاع التضخم -وان لم تكن في المملكة المتحدة.
وقد يحفز هذا الأمر الاحتياطي الفيدرالي على زيادة أسعار الفائدة الأميركية بشكل أسرع مما تتوقعه هي أو الأسواق في الوقت الراهن. ولن يكون التضخم فقط من سيؤثر على أفعالهم. فبعد عقد أو ما إلى ذلك من الانخفاض الشديد في أسعار الفائدة والأموال السهلة، أصبحوا يدركون بشكل متزايد أن التشوهات ستزداد في النظامين المالي والاقتصاد الحقيقي. وبعبارة أخرى، فإنهم من المرجح أن يصبحوا أكثر "نمساوية"، وهذا يعني إتباع مدرسة التفكير التي قادها فريدريك فون هايك.
وجادلت المدرسة النمساوية بأن تدخل السياسة العامة، بما في ذلك التراخي النقدي الحسن النية، يمكن أن يسبب تشوهات خطيرة، عادة ما تكون في زوايا النظام المالي التي لست تدركها تماما بالضرورة. وتتضح المشاكل بشكل مؤلم عندما ترتفع أسعار الفائدة. وبعد ذلك، طبعا، بالنظر إلى الوراء، سيبدو كل شيء واضح جدا. وأن هذا أمسى خطرا حقيقيا الآن.
ومع تمتع أسواق الأسهم بجولة رائعة الآن، يتلهف الكثير من المعلقين لإمكانية وقوع حادث، وأنا أشك بأن مخاوفهم قد تكون مبالغ فيها إلى حد ما، خاصة في المملكة المتحدة حيث لا تبدو التقييمات وأنها تمتد كما هو الحال في الولايات المتحدة. ولكن ارتفاع أسعار الفائدة قد تتسبب بمشاكل في أسواق أخرى، لاسيما السندات حيث تكون الغلا عند مستويات تكون -في الظروف الاقتصادية العادية- منخفضة جدا بشكل مخيف.
ومن ثم هناك العقارات الحساسة بشكل خاص للتحركات في أسعار الفائدة وعوائد السندات. وفي الممارسة العملية، فأنا أقل قلقا بكثير تجاه الملكية التجارية من السكنية. وفي هذا البلد، مع ارتفاع أسعار الفائدة، سوف تواجه سوق الإسكان التحديات.
ومن الممكن كثيرا أن يؤدي الانتقال إلى أسعار الفائدة الأعلى إلى إشعال الانكماش الاقتصادي القادم. وقد كانت هذه بالتأكيد قصة الولايات المتحدة في الماضي. فمنذ العام 1960، سبق الارتفاع الكبير في أسعار الفائدة الحقيقية كل ركود حل بالولايات المتحدة. وفي الوقت الراهن، سوف تتوقع الأسواق زيادة متواضعة تأخذ المعدلات الحقيقية من مستواها السلبي الحالي إلى الصفر تقريبا. وهذا ما اسميه نظرة مريحة، إن لم تكن مرضية، عن المستقبل.
وقد يكون هذا افتراضا مركزيا معقولا. ولكن يجب علينا أن نأخذ في الاعتبار المخاطر، وفي رأيي أيضا، خاصة وأن المخاطر السائدة بالنسبة للأسعار آخذة في الارتفاع. وفي حال دُفعت الأسعار الحقيقية مره أخرى إلى أراض ايجابية مهمة فهذا قد يتسبب بالضعف للاقتصاد الحقيقي وبالاهتزاز لأسواق الأسهم. وإذا ما حدث ذلك في الولايات المتحدة، فعلينا أن نفترض أن العواقب ستكون محسوسة هنا.
ومع ذلك، لحسن الحظ، أعتقد أن هذا الاحتمال يكمن خلف هذا العام. وربما ثبت لنا 2018 أنها سنة أخرى مليئة بالمفاجآت.
"التلغراف، روجر بوتل"