بعد مرور ستة أيام على موجة المظاهرات التي تهز إيران، فإن الأجهزة الاستخبارية في إسرائيل وفي الغرب ما تزال مترددة في اعطاء اجابة على السؤال الرئيس الذي يشغل متخذي القرارات: هل نشأت هنا للمرة الأولى منذ الثورة الخضراء الفاشلة في 2009 نافذة فرص لاسقاط النظام؟ المعلومات الواردة من ايران ما زالت جزئية ولا تكفي لاعطاء صورة واضحة. السلطات تشوش على الوصول إلى التلغرام، وهو تطبيق الرسائل الذي استخدمه المتظاهرون في بداية الاحداث في محاولة لتنسيق الخطوات. في نفس الوقت يستمر ابطاء شبكة الانترنت في الدولة، رغم أن معارضي النظام ينجحون بمستوى معين في ايجاد طرق التفافية.
هناك بضعة اشكال للاحتجاج آخذة في الوضوح، حسب تحليلات الاستخبارات في إسرائيل وفي الخارج:
يشارك في هذه المظاهرات عشرات الآلاف. الاعداد ما زالت لا تقترب من اعداد الاحتجاج الاخضر (على الاقل مليون شخص)، وهي الاحتجاجات التي تركزت اساسا في طهران وقادها الطلاب واشخاص من الطبقة الوسطى. أما في هذه المرة بدأت المظاهرات في اوساط أبناء الطبقة الدنيا وانتشرت تقريبا في ارجاء إيران، وفي مدن كثيرة يصعب على النظام السيطرة عليها الآن. يبدو أنه في اوساط جمهور كبير تحطم حاجز الخوف الذي منع مظاهرات مشابهة منذ القمع العنيف قبل تسع سنوات.
غلاء المعيشة كان السبب الرئيس للاحتجاج، لكنه ليس الوحيد. فقد أضيف إلى الغضب من الغلاء احباط الشباب العاطلين عن العمل. في الخلفية هناك كراهية كبيرة في اوساط عدد كبير من الجمهور الايراني بسبب التطبيق الصارم لقوانين الشريعة من قبل النظام. الصورة المرئية الاكثر بروزا للاحتجاج حتى الآن (التي سيولد تصعيدها علامات اخرى) هي الفيلم القصير الذي تظهر فيه امرأة شابة في المظاهرة وهي ترفع غطاء الرأس وتلوح به.
جهود النظام لتحريك وتمويل وتصدير الثورة الاسلامية إلى دول اخرى تثير غضب الجمهور. في عدة حالات تم تصوير متظاهرون وهم يحرقون صورة الجنرال قاسم سليماني، قائد "قوة القدس" في حرس الثورة، وهو الذي عرض كبطل قومي بعد هزيمة داعش وانقاذ نظام الاسد في الحرب الاهلية السورية. إن رفع اسعار الوقود والبيض، في الوقت الذي تستثمر فيه إيران مليارات الدولارات في مساعدة الاسد وحزب الله والمليشيات الشيعية في العراق والحوثيين في اليمن، يركز حوله غضب المتظاهرين. أحد الشعارات التي تسمع في المظاهرات هو شعار "غزة لا تهمنا ولا يهمنا حزب الله، ما يهمنا هو ايران".
يبدو أن النظام ما يزال حتى الآن لم يستخدم كل قوته لقمع المظاهرات، ومثل الاجهزة الاستخبارية الاجنبية التي تتابع السلطات، يبدو أن السلطات الإيرانية أيضا لم تتوقع الانفجار في هذا التوقيت الحالي. ورغم أن رد النظام كان عنيفا في عدد من المدن، حتى الآن تم الابلاغ عن نحو 20 قتيل، إلا أنه بعيد عن القوة الزائدة التي تم استخدامها في قمع الاحتجاج السابق. لقد تولد الانطباع أن النظام ما زال في مرحلة الاستيعاب ولم يطلق العنان لقواته الهجومية.
هذا يتعلق أيضا بسياسة إيران الخارجية: الزعيم الروحي علي خامنئي ورجاله قلقون من تهديدات رئيس الولايات المتحدة دونالد ترامب بالغاء الاتفاق النووي. ومن اجل صد ترامب فإن إيران بحاجة إلى أوروبا. الاتحاد الأوروبي حافظ حتى الآن على الصمت المدوي اخلاقيا في رده على قتل المتظاهرين، لكن استخدام قوة اخرى يمكن أن تؤدي إلى تذمرات جديدة ضد النظام بسبب المس بحقوق الانسان – تعقيد وضع النظام مع الدول الأوروبية.
العقوبات هامة. العقوبات الدولية التي قادتها ادارة اوباما في بداية العقد قوضت اقتصاد إيران وفرضت على القيادة في طهران التوقيع على اتفاق فيينا الذي عمل على تأجيل مشروعها النووي. الاضرار المتراكمة للعقوبات يمكن لمسها وهي تعمل على ابطاء خروج الاقتصاد الإيراني الحفرة التي ألقي فيها. ترامب يظهر الآن تأييده للمتظاهرين من خلال تغريدات عرضية تقريبا، بين حربه ضد وسائل الإعلام وبين جهوده للفوز بالنقاط (هذا الصباح، عن عدم وجود حوادث في الطيران الأميركي في 2017). ولكن اعادة النظر في العقوبات، بسبب مساعدة الارهاب وبرنامج الصواريخ الإيراني والمس بحقوق الإنسان، يمكن أن تعطي دعما حقيقيا للمتظاهرين. وهناك جائزة إضافية من ترامب: هذا بالضبط ما لم تفعله إدارة أوباما في 2009 عندما تابعت بلامبالاة إلى درجة ما انهيار الثورة الخضراء.
إسرائيل خارج الصورة. رئيس الاركان غادي أيزينكوت الذي وصف في هذا الصباح الصورة الاستراتيجية في خطاب في المركز متعدد المجالات في هرتسليا كان حذرا من ذكر، وحتى الاشارة، الاحداث في إيران. أيزينكوت تحدث عن استثمار ايران الكبير في مساعدة الارهاب: نحو مليار دولار في السنة لحزب الله وبضع مليارات في السنوات الاخيرة لمساعدة القاتل بشار الاسد وعشرات الملايين لحماس والجهاد الاسلامي.
في هذه الاثناء صادق وزير الأمن افيغدور ليبرمان على ما كتب هنا أمس: الاحداث في إيران توفر لإسرائيل سببا آخر لعدم الانجرار في الوقت الحالي إلى التصعيد مع حماس في قطاع غزة. المظاهرات تثير الحرج العالمي الكبير بالنسبة للنظام في طهران، ومن المهم أن لا تخرب إسرائيل هذا الآن وتحول الاهتمام إلى القطاع. أيزينكوت، بالاشارة، انضم إلى اقوال ليبرمان، عندما وجه الانتقاد لدعوات مهاجمة غزة بقوة ووصفها بأنها "غير مسؤولة".