في اطار سعيه الدائم لمحاصرة الصوت الاخر والتضييق عليه في المجتمع الإسرائيلي ومؤسساته، أعلن زعماء اليمين الاستيطاني في حكومة الاحتلال الإسرائيلي عن انجاز مسودة قانون، تلغي صلاحية المحكمة العليا لالغاء قوانين يقرها الكنيست. وهي محاولات قائمة منذ سنوات عديدة، تتلاقى فيها مصالح اليمين الاستيطاني، مع المتدينين المتزمتين "الحريديم"، بهدف وضع حد لصدور قرارات تنتقد قوانين الاكراه الديني، وقوانين ذات طابع سياسي. وتتزامن المبادرة مع محاولات اليمين، لفرض قيود على الحريات الثقافية، ومع ظهور مؤشرات تمرد لدى جمهور الفنانين الإسرائيليين.
فقد أعلنت وزيرة القضاء أييليت شكيد، من تحالف أحزاب المستوطنين، أنها أعدت مع زميلها، ورئيس تحالفها الحزبي، وزير التعليم نفتالي بينيت، مسودة قانون في جوهرها، سحب صلاحية المحكمة العليا لالغاء قوانين اقرها الكنيست. وبموجب المسودة، فإنه في حال الغت المحكمة العليا قانونا، فيحق للكنيست سن القانون ثانية بأغلبية عددية لا تقل عن 61 نائبا، من أصل 120 نائبا. وهذه أغلبية يضمنها اليمين الاستيطاني المتطرف حاليا ومستقبلا، على ضوء الأجواء السياسية القائمة، التي تجنح باستمرار نحو مزيد من التطرف.
ويستغل الوزيران المتطرفان، شكيد وبينيت، غضب أحزاب المتدينين المتزمتين "الحريديم"، على قرار المحكمة العليا قبل أيام، بالغاء القانون الذي أقره الكنيست قبل عامين، ويثبّت اعفاء شبان "الحريديم" من الخدمة العسكرية الالزامية. ويتمثل الحريديم في الحكومة بكتلتي "شاس" و"يهدوت هتوراة"، اللتين أعلنتا رفضهما لقرار المحكمة، الذي يفرض على الكنيست، بسن قانون بديل، يفرض الخدمة على "الحريديم".
ومن المفارقة، أن المبادرين لمشروع تقويض المحكمة العليا، كانا من ابرز المبادرين قبل ثلاث سنوات، لسن قانون يفرض الخدمة العسكرية على "الحريديم". إلا أن اليمين الاستيطاني معني جدا بتقويض جهاز القضاء وتقليص صلاحياته، على الرغم من أن القضاء بشكل عام، يعبّر عن سياسات الحُكم الصهيوني، ولكن في أحيان نادرة تصدر عن المحكمة قرارات تناصر الحق الديمقراطي، ولذا فإن المستوطنين يريدون اغلاق هذا الحيز الهامشي، كونه يعرقل في بعض الأحيان مخططاتهم.
وفي موازين القوى السياسية في الولاية البرلمانية الحالية، هناك شك في احتمالية سن قانون يقلص صلاحيات المحكمة العليا، كون أن الحزب الثاني في الائتلاف الحاكم، الذي يقوده وزير المالية موشيه كحلون، يعارض مبادرات كهذه، ولذا فإن الائتلاف ليس لديه أغلبية مطلقة. في حين أن رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، الذي يواجه سلسلة شبهات فساد، سيستصعب شن معركة على جهاز القضاء في هذه المرحلة.
ولكن ما تجدر الاشارة له، إلى أنه بعد كل واحدة من الانتخابات البرلمانية الاخيرة، يتزايد عدد اعضاء الكنيست المؤيدين لتقويض جهاز القضاء. وفي الولاية الحالية للكنيست، مدرج على جدول الأعمال سلسلة مشاريع قوانين، في جوهرها ما يزيد من سطوة الجهاز السياسي على جهاز القضاء، وبشكل خاص على تركيبة ورئاسة المحكمة العليا.
الهجمة على الحريات الثقافية
على الخلفية ذاتها، التي تهدف للقضاء على الهامش الديمقراطي الهش في إسرائيل، فقد تصاعدت في الايام الأخيرة، مؤشرات الصدام بين جمهور الفنانين والأدباء، وبين وزيرة الثقافة، ميري ريغيف، أبرز الوجوه العنصرية الشرسة في حكومة نتنياهو. فريغيف، شنت في اليوم الاول لتوليها حقيبة الثقافة، قبل أكثر من عامينن هجوما واسعا على قطاع الثقافة لدى فلسطينيي 48، وعلى التوجهات السلامية واليسارية بين الفنانين والادباء الإسرائيليين، بما يشمل مؤسسات ثقافية ومسرحية وسينمائية.
ومعروف منذ سنين طوال، وجود ظاهرة مقاطعة المستوطنات، لدى العديد من الممثلين والفنانين الإسرائيليين. وقد أقر الكنيست في العام الجاري قانونا يعاقب كل من يقاطع اي جهة إسرائيلية على الخلفية الجغرافية، والقصد المستوطنات.
وفي الايام الأخيرة جاهر واحدة من أكبر الممثلين الإسرائيليين، غفري بناي، تحديه للقانون، الذي يشمل فرض عقوبات وغرامات على كل من يخالفه، وأعلن بشكل صارم أنه لن يدخل أي مستوطنة، مناديا باقامة دولة فلسطينية على كل المناطق المحتلة منذ العام 1967 بما فيها القدس.
والحدث الأبرز الذي كان في الأيام الاخيرة، كان قرار الأكاديمية السينمائية الإسرائيلية، عدم دعوة وزيرة الثقافة ريغيف، لحضور حفل توزيع أهم جائرة للسينما الإسرائيلية، "جائزة أوفير"، بسبب تصرفات ريغيف القمعية. إذ كانت ريغيف، قد احدثت ضجة قبل عام، بخطابها الاستفزازي التوبيخي لجمهور الفنانين، ما أدى إلى انسحابات واسعة من الجمهور في ذلك الحفل.