المزيد
‘‘الجرائم العائلية‘‘: بشاعة تهز ضمير المجتمع

التاريخ : 10-11-2016 |  الوقت : 11:10:48

لم يكن مقتل والدة خمسينية على يد ابنها (28 عاما) في منطقة طبربور بعمان قبل أيام؛ الجريمة الوحيدة التي شهدتها المملكة مؤخرا، واتسمت بصبغة "الجريمة العائلية"، فقد سبقها جريمتان عائليتان هزتا مشاعر المواطنين، وأثارتا تساؤلات حول هذا التحول الذي يشهده المجتمع على صعيد الجريمة، اذ يرى مختصون أن ذلك مرده، تفشي قيم الفردية وانحصار قيم التكافل التقليدية.
وأشار مختصون في أحاديث لـ"الغد"، أن "المنظومة الأخلاقية تهاوت"، فضلا عن الاخطار التي يشكلها تجاهل علاج الامراض النفسية، او تعاطي المخدرات، مشيرين بهذا الخصوص إلى جريمة طبربور، التي اقدم فيها الإبن على قطع رأس والدته، وفقء عينيها.
وعلى الرغم مما كان يضعه الابن القاتل على صفحته في "فيسبوك" من إشارات وكلمات وصور تشير الى تعلقه الشديد بأمه وحبه لها، لكن ذلك لم يشفع لهذه الأم التي قدمت لقاتلها قبل ارتكابه جريمته النكراء، وجبة طعام".
السيرة الذاتية للمتهم، تقول إنه شرطي سابق ومدان، طرد من خدمته قبل أعوام، بعد إدانته بتهمة تعاطي المخدرات؛ وهذا بدوره، هيأه لأن يغدو قنبلة موقوتة في أسرته، لكن أول نيرانها كانت والدته، التي كابدت مشقات عديدة، لإعادته إلى رشده قبل قتلها، ولم تجد محاولاتها تلك؛ حتى بعد أن ادخلته في مركز الادمان للمعالجة لمدة شهرين. 
وسبق هذه الحادثة؛ جريمة مماثلة وقعت في منطقة الهاشمي الشمالي بعمان، عندما أقدمت فتاة ثلاثينية على قتل والدتها طعنا بالسكين، كما أقدم مسن على قتل زوجته وابنته وابنه الوحيد، بسبب خلافات عائلية، وارتكب آخر (20 عاما) جريمة بحق شقيقته التي قتلها وهي نائمة، بإطلاق 4 رصاصات عليها، جراء حيازتها لهاتف خلوي والتحدث به. 
أستاذ علم الجريمة الدكتور حسين محادين؛ يرى ان طبيعة التحولات المتسارعة في المجتمع نحو حرية السوق وقيم الحداثة، انعكست على البنية النفسية الاجتماعية للأسرة، خصوصا بعد تفشي قيم الفردية وانحصار قيم التكافل التقليدية.
وأشار محادين الى أن التكنولوجيا أضعفت العلاقات في الاسرة، بخاصة وأن الأسرة تخلت عن كثير من أدوارها التربوية والتنشئة السليمة، وبالتالي؛ تداعت العلاقات بين افراد الاسر، جراء ارتفاع البطالة واللهاث وراء توفير وسائل العيش.
هذه المظاهر كما يقول محادين، قادت، إلى جعل الأسر عبارة عن جزر محدودة الافق، لكنها متلاصقة، وأفرادها منشغلون كل على حدة، باهتماماته وطموحاته، لذا فقدت الاسرة تأثيرها على الابناء، بعد استشراء قيم المصلحة، وتفشي انشغال الافراد بتحقيق طموحاتهم الفردية وسعيهم نحو ثقافة الرقم، أي زيادة مداخيلهم المالية وتطوير مهاراتهم التكنولوجية.
وأفاد محادين، أن المشاهدات والاحتكاكات الوجاهية لم تعد كالسابق، فأصبح من المتعذر متابعة كل من الابناء من الجنسين جراء تفاوت مواعيد التقاء أفراد الاسر اصلا ببعضهم، وخصوصا الذين تجاوزوا الـ18 عاما.
وأضاف أنه "نتيجة لذلك؛ ضعف الوازع الديني وتراجعت قدرة منظومة القيم على ضبط السلوك، فظهرت كثير من المشاكل الأخرى غير القتل، بالرغم من أهميتها مثل: السفاح، مجهولي النسب، المثليين؛ وكلها أعراض دالة على تراجع دور مؤسسات التنشئة المرجعية (الأسرة، الجامعة، المدرسة، المسجد، الكنيسة، ووسائل الإعلام)".
وطالب محادين بإعادة النظر في طبيعة وآليات التنشئة الاجتماعية على يد الوالدين وحرصهما على التواصل أكبر وقت ممكن مع افراد اسرتهم ليكونوا على علم بأي تغييرات يتعرض لها أبناؤهم، منبها إلى أنه يجب الا يقتصر امر متابعة الأبناء على وسائل التكنلوجيا فقط، بل وباللقاء الوجاهي دائما.
وفي أكثر من جريمة قتل عائلية شهدها مجتمعنا، تكون الأم او الاطفال هم الضحية، والمجرم داخل الاسرة غالبا ما يكون قنبلة موقوتة، ما يحتم على أصحاب الاختصاص، مزيدا من الدراسات لحماية الأسر التي تواجه خطرا من احد أفرادها وتحديدا المرضى النفسيين او المتعاطين للمخدرات، وفق محادين.
خبير علم الجريمة اللواء المتقاعد من جهاز الأمن العام جمال البدور يرى أن "انخفاض مستوى ضبط الذات لدى المجتمع؛ وتحديدا الأسرة، أدى لبروز وتكون سلوكيات غريبة جدا، تتنافى مع قيم المجتمع وفضائله وأخلاقه الحميدة، فالشباب بدأوا مبكرين بممارسة أفعال لا تليق بالمجتمع والاسرة على حد سواء، بارتكاب أفعال جرمية ذات نمطية جديدة غريبة عن مجتمعنا، كجرائم القتل وتعاطي المخدرات وغيرها من الجرائم الواقعة على الانسان او الأموال.
وبحسب البدور، فإن هذا يستدعي ايجاد حلول ناجعة وحاسمة لمحاصرة هذه الظواهر الجرمية المقلقة، وخنقها وخفض معدلاتها.
وهنا يبرز الدور الأهم لمؤسسات الدولة الرسمية؛ ممثلة بأذرعها التنفيذية في محاربة الجريمة كجهاز الأمن العام وغيره من باقي مؤسسات الدولة المعنية، والذراع الآخر هو الذراع القانوني، الذي يحتم النزاهة والحزم في تطبيق القانون، حتى يتحقق الردع العام والخاص على حد سواء، بحسب البدور.
ولفت البدور الى انه لا بد من قراءة صحيحة ومستفيضة لما يجري داخليا لدينا، وتضافر كافة الجهود لمحاربة الجرائم المقلقة، ووضع الكفاءات المسلحة بالعلم والمعرفة والعمل الجاد، في مقدمة المؤسسات المعنية، لتتحمل مسؤولياتها، ومن الجانب الآخر الوقوف صفا واحدا في دعم مؤسسات محاربة الجريمة والقائمين عليها.
أستاذ الشريعة الإسلامية في جامعة آل البيت الدكتور عامر الحافي قال إن "هذه الظاهرة ليست بمعزل عن المحيط السياسي الذي يشهد تصاعدا في وتيرة العنف، بخاصة فيما يبثه الاعلام من صور دموية، يشاهدها الكبار قبل الصغار".
والجانب الآخر من هذه الظاهرة كما لفت الحافي، يكمن في تردي الاوضاع الاقتصادية"، وانتشار البطالة والفقر بين الشباب، ما يؤثر عليهم سلبا، وينعكس على صورة عنف وغضب، وجرائم بعضها حدث بعد شهر رمضان الماضي.
وأكد الحافي؛ أن تربية الأبناء حاليا، بعيدة عن القيم الإسلامية التي تعمق السلم والتسامح، وتركهم في الوقت ذاته، أمام الفضائيات ووسائل اعلام تساهم بترويج ثقافة العنف لديهم، وبل وتصبح جزءا من سلوكهم.

وكالة كل العرب الاخبارية



تعليقات القراء
لايوجد تعليقات على هذا الخبر
أضف تعليق
اضافة تعليق جديد

الحقول التي أمامها علامة * هي حقول لابد من ملأها بالبيانات المطلوبة.

:
:
:
 
أخر الأخبار
اقرأ أيضا
استفتاءات
كيف تتوقع نهاية الاحداث الجارية في قطاع غزة؟



تابعونا على الفيس بوك