المزيد
الكنفدرالية والمقاومة

التاريخ : 29-05-2016 |  الوقت : 10:21:52

تعود من جديد قصة الكنفدرالية الأردنية الفلسطينية لتطفو على السطح في حالة من الدعاية السياسية والإعلامية الرخيصة التي تتبناها نخب وسائل إعلام ذات أجندات رمادية، ومن المفارقات أن مرددي هذه الأطروحة المرفوضة، أردنيا شعبيا ورسميا والمرفوضه فلسطينيا، يسعون لتسويقها في أصعب ظرف تمر به القضية الفلسطينية منذ خمسةعقود سواء على مستوى الوحدة الوطنية الفلسطينية أو التماسك الداخلي أو على مستوى الاهتمام الدولي والإقليمي. ومن المفارقات أيضا أن هذه الدعاية تأتي في وقت أكثرما يحتاجه الشعب الفلسطيني هو بث روح جديدة للمقاومة؛ وهي السلاح الوحيد الذي تبقّى أمام الفلسطينيين بعدما جرّبوا المفاوضات وساروا في متاهات خرائط الطرق بدون جدوى أو معنى.
ليس من المعقول ولا من المقبول أن نستمر في الإصغاء لهذه الدعاية الرمادية التي لا تخدم إلا الأجندات الاسرائيلية دون رد من النخب الأردنية والفلسطينية بشكل حاسم وقاطع، أصبح هناك ما يشبه القانون الثابت؛ كلما زار رئيس الوزراء الأردني الأسبق عبد السلام المجالي الضفة الغربية يتم إعادة إنتاج ما يقوله ووضعه في سياق مختلف رغم أن رؤساء الحكومات الأردنية السابقين مستقلون في آرائهم وهم خارج دوائر صنع السياسة الأردنية، كما الحال في إعادة قراءة بعض تقارير مراكز بحثية وتحريفها ووضعها في سياق مختلف، لا ندري ماذا يريد هؤلاء وما المقصود من هذا الحشد والتعبئة والفبركة.
الأردن عبّر رسميا مرات عديدة عن رفضه المطلق لهذا الخيار منذ أن رفضه المرحوم الملك الحسين قبل عقود، والملك عبدالله رفض هذا الخيار منذ سنوات حكمه الأولى وأعلن بوضوح أننا لن نستبدل الدبابة الاسرائيلية بدبابة أردنية في الضفة الغربية، ويدرك الاردنيون تماما ان الكنفدرالية هي الاسم الحركي للوطن البديل، في المقابل هناك رفض تاريخي من قبل الشعب الفلسطيني لهذا الخيار وسط النخب وصناع القرار كما هو الحال في القواعد الشعبية، وعلى الرغم من حالة الإحباط نتيجة فشل التسوية فإن أي استثمار لهذا اليأس السياسي في تسويق مشاريع مشبوهة هو خيانة لحق الشعب الفلسطيني بدولة مستقلة.
هذه الصيغة من الدعاية عادة قد تبرز في البداية على شكل تسريبات للمعلومات في سياق تفسيري منكر ورافض للقضية محور النقاش ويأتي بها كي تصبح موضوعا للنقاش العام الذي يفتح المجال لثلاثة أهداف اساسية، الأول: فتح باب التسريبات للمعلومات الأمر الذي يخلق حالة من التطبيع والاعتياد على سماع معلومات جديدة في هذه القضية، وهذا واضحا تماما في نمو تسريبات مسألة الكونفدرالية علما بأن الصحف العربية التي تتبنى هذه التسريبات والتعليقات تطرحها في سياق نقدي رافض احيانا لكنها تقوم بوظيفة التطبيع أي ان يعتاد الناس على هذا الخيار، وعكس ما قد يتوقع البعض قد تقوم وسائل إعلام بالتمهيد لعمل السياسيين وفق هذا النوع من الدعاية. ثانيا: تقوم تلك الدعاية بخلق نوع من الاستقطاب حتى ولو كان بمجرد وجود فئة صغيرة من المؤيدين التي تتحول تدريجيا الى رفع صوتها بوجود منابر إعلامية تتبناها؛ يوجد على الساحة الفلسطينية اكثر الناس تشددا ضد اي صيغة للكونفدرالية مع الأردن قبل الدولة وبعد الدولة، في المقابل توجد على نفس الساحة فئة رمادية تقبل وتدفع باتجاه اي صيغة ولو على حساب الأردن وفلسطين معا. ثالثا: تقوم الدعاية ببناء أجندة سياسية جديدة بعد أن يفعل كل من التطبيع والاستقطاب فعلهما.
التطرف السياسي على الساحتين الأردنية والفلسطينية مايزال يتمسك بحلم وحدة الضفتين في الوقت الذي ما تزال الضفة الأخرى تحت الاحتلال، وقبل إنجاز مشروع الدولة الفلسطينية، ويطمح بوجود تحالف نضالي إسلامي على جبهتين مفتوحتين في مواجهة إسرائيل، اليوم يعاد إنتاج تطرف آخر بدون هوية يسوق للفكرة ذاتها ضمن أجندة غامضة ومشوهة، في المحصلة كل ذلك سيخدم الخيار الإسرائيلي المتطرف، ويحرم الشعب الفلسطيني من استعادة روح المقاومة، وسيصب بمصلحة فكرة الوطن البديل لا غيرها.

د. باسم الطويسي

 

الغد



تعليقات القراء
لايوجد تعليقات على هذا الخبر
أضف تعليق
اضافة تعليق جديد

الحقول التي أمامها علامة * هي حقول لابد من ملأها بالبيانات المطلوبة.

:
:
:
 
أخر الأخبار
اقرأ أيضا
استفتاءات
كيف تتوقع نهاية الاحداث الجارية في قطاع غزة؟



تابعونا على الفيس بوك